والمفروض خلافه أيضا ، لفرض كونه تابعا في عدم إطلاق المعلوم واستمراره.
وبالجملة علمه تعالى بعدم وقوع الإيمان منه ليس إلاّ نظير علمنا به ، فكما أنّ علمنا لا دخل له في اختياره ولا أنّه موجب لوجوب المعلوم ولا امتناع خلافه فكذلك علمه تعالى.
غاية الفرق بينهما أنّ علمنا غالبا متأخّر بحسب الزمان عن اختياره ، وعلمه تعالى سابق على حدوثه لأنّه أزليّ وهو غير مناف لكونه تابعا ، إذ ليس المراد بالتابع ما يلزمه التأخّر بل ما يعمّه وما كان منشؤه الاختيار وإن كان حاصلا قبله ، ولمّا كان مختارا بالنسبة إلى كلّ من الكفر والإيمان فأمره تعالى بالإيمان ونهاه عن الكفر أمرا متضمّنا للطلب والإرادة معا ، إن كان مرادهم بالإرادة ما تقدّم من المعنيين ، وإلاّ فلا يعقل إرادة اخرى غيرها بأحد المعنيين حتّى يقال بانتفائها وانفكاكها عن الطلب.
فإن قلت : مع سبق علمه تعالى بأنّه لا يؤمن كيف يصحّ منه تعالى إرادة الإيمان وطلبه حقيقة لأنّه يعدّ سفها في نظر العقل ، وهو قبيح على العاقل الحكيم.
قلت : الحكيم قد يأمر ويطلب وغرضه الأصلي حصول الامتثال ويكون ترتّب العقاب على تقدير خلافه مقصودا له بالتبع كما في أوامره بالنسبة إلى المطيعين ، وقد يأمر ويطلب وغرضه الأصلي قطع العذر على المكلّف ليفيد في مقام توجيه العقاب كما في حقّ العاصين ، ولا قبح فيه أصلا بل هو من طريقة العقلاء وممّا يجوّزه العقل ويحسّنه.
واعترض بعض الأفاضل على ما نقلناه من الجواب أيضا : بأنّ تابعيّة العلم للمعلوم إنّما تقضي بعدم استناد وقوع المعلوم إلى العلم ، بل لمّا كان المعلوم حاصلا في وقته بحسب الواقع نظرا إلى حصول أسبابه تعلّق به العلم على ما هو عليه ، وذلك ممّا لا ربط له بالمقام ، إذ المقصود إثبات استحالة وقوع خلاف المعلوم مستندة إلى العلم.
فأجاب عن الاستدلال بما سنذكره منه.
وفيه : أنّ عدم استناد وقوع المعلوم إلى العلم يستدعي عدم استناد استحالة وقوع خلافه إليه ، لأنّ وقوع المعلوم لابدّ له من مستند وهو بعينه مستند لاستحالة وقوع خلافه ، كما هو قضيّة المقابلة القائمة بطرفي الإيجاب والسلب ، واللازم من الجواب أنّ ذلك المستند ليس هو العلم في جانب المعلوم فكذلك في جانب استحالة خلافه ، فاندفع بذلك ما هو المقصود بالاستدلال.
ويمكن أن يقال في توجيه الجواب : إنّه توطئة لمنع المقدّمة الثانية قصدا به إلى إحراز