وبالجملة لا إشكال في وجود الماهيّة الكلّيّة في ضمن الفرد وكونها جزءا منه في ظرف الخارج وإنكاره مكابرة ، فهي إن لوحظت مجرّدة فكلّي وإن لوحظت مقيّدة فجزئي ، فالفرق بينهما اعتباري من هذه الجهة.
وأمّا ما يقال أيضا : من أنّ (١) الشيء إذا لوحظ بلحاظ الذهن فهو كلّي وإذا لوحظ بلحاظ الخارج فهو جزئي فلا يساعده النظر ، ضرورة أنّ الملحوظ في الذهن غير ما هو ملحوظ في الخارج ، فإنّ الأوّل ماهيّة لا تشخّص معها أصلا والثاني ماهيّة مع التشخّص ، فكيف يعقل جعلهما أمرا واحدا يتعدّد باعتبار الذهن والخارج ، وإنّما هما أمر واحد خارجي يتعدّد باعتبار الإطلاق والتقييد.
فإن قلت : هذا خلاف ما صرّحوا به من أنّ الكلّية وصف للمفهوم والجزئيّة وصف للمصداق الّذي يعبّر عنه تارة بالفرد واخرى بالشخص ، فكلّ كلّي لا بدّ وأن يكون مفهوما وكلّ جزئي لابدّ وأن يكون مصداقا خارجيّا ، وهذا كما ترى ينادي بالتغاير بينهما مع أنّك جعلتهما أمرا واحدا خارجيّا.
قلت : المفهوميّة والمصداقيّة أيضا أمران اعتباريّان ، إذ الماهيّة إذا لو حظت في ظرف الذهن تسمّى بالمفهوم وإذا لوحظت في ظرف الخارج تسمّى بالمصداق وإلاّ فمع قطع النظر عن الاعتبار لا تغاير بينهما ، ويرشد إلى ذلك جعلهم المفهوم مقسما للكلّي والجزئي مع تصريحهم بكون الجزئي مصداقا خارجيّا ، فلو كان المفهوم مغايرا بالذات للمصداق لامتنع جعله مقسما له ، ضرورة استحالة كون الشيء مقسما لقسيمه.
فإن قلت : مرادهم بالمفهوم المأخوذ مقسما ما حصل عند العقل ـ على ما هو المصرّح به في كلامهم ـ وهو يغاير المصداق الخارجي.
قلت : مع أنّه يستلزم أن لا يكون الجزئي مصداقا ، لامتناع اتّصاف شيء واحد بالمتغايرين.
يدفعه : أنّ ما حصل عند العقل ليس إلاّ الماهيّة ، وهي قد تلاحظ في الذهن معرّاة عن الخصوصيّات العارضة لها في الخارج ، وقد تلاحظ مقيّدة بتلك الخصوصيّات ، غير أنّه قد جرت العادة بتسميتها بالاعتبار الثاني بملاحظة وجودها في ظرف الخارج بـ « المصداق » فلا منافاة.
__________________
(١) والظاهر كون معنى هذا الكلام أنّ الشيء باعتبار وجوده الذهني يسمّى كلّيّا وباعتبار وجوده الخارجي يسمّى جزئيّا.
ويشكل أنّ الموجود في الذهن أيضا جزئي ذهني والموجود في الخارج أيضا يوجد في الذهن مع أنّه ليس بكلّي جدّا. ( منه عفي عنه ).