فإن قلت : قضيّة ما قرّرت سابقا من كون الكلّي أمرا موجودا في الخارج في ضمن الأشخاص أن يكون الكلّي متعدّدا بتعدّدها ، وهو مناف لما صرّحوا به من كونه أمرا واحدا بل هو خلاف البديهة ، ضرورة أنّ ماهيّة « الإنسان » أمر واحد ، وذلك لا ينطبق إلاّ على جعل الكلّي عبارة عن المفهوم المغاير للمصداق ، إذ لا يصلح للوحدة إلاّ المفهوم ، ومعه لا يمكن القول بعدم كونه مغايرا للمصداق لكونه متعدّدا.
قلت : يردّه أوّلا : النقض بذلك المفهوم الّذي جعلته كلّيّا مغايرا للمصداق ، لعدم انفكاكه عن التعدّد الناشي عن تعدّد العقول والأذهان ، نظرا إلى ما فسّرته بما حصل عند العقل.
وثانيا : المنع عن اعتبار قولهم إذا خالف الحسّ والعيان ، فإنّه ليس بحجّة إلهيّة ولا نزل لبيانه آية كتابيّة ولا سنّة نبويّة.
وثالثا : مرادهم بالوحدة هنا إنّما هي الوحدة الذهنيّة بمعنى كونه واحدا في الذهن ولا ينافيها عروض التعدّد باعتبار الخارج ، إذ لا استحالة في وجود الكلّي بتمامه في ضمن كلّ فرد كما نشاهده في المتماثلين كالبياضين ، فإنّهما متعدّدان في الخارج باعتبار التشخّص وفي الذهن بعد إلقاء الخصوصيّة يصيران واحدا ، ولذا قالوا بامتناع اجتماع المثلين تعليلا بعدم إمكان اتّحادهما مع التشخّص ومع عدمه يرتفع التعدّد ويزول الإثنينيّة.
أو أنّ المراد بها الوحدة النوعيّة أو الجنسيّة فلا ينافيها التعدّد باعتبار الأشخاص كما هو المصرّح به في كلامهم ، ويرشد إلى ذلك ما ذكروه في ردّ الاستدلال على عدم وجود الكلّي الطبيعي بلزوم اتّصاف شيء واحد بصفات متضادّة ، ووجوده في أمكنة متعدّدة وهو محال ، بأنّ ذلك إنّما يستحيل في أمر واحد شخصي كالجزئي الحقيقي ، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل لكونه واحدا بالنوع الغير المنافي لتعدّد أشخاصه ، فلا استحالة في اتّصافه بالصفات المتضادّة ووجوده في الأمكنة المتغايرة باعتبار ما يتضمّنه من تعدّد الأشخاص.
وبما قرّرنا تبيّن حجّة القول بعدم وجود الكلّي الطبيعي مع دفعها ، وأمّا القول بالعينيّة فلم نعثر له على حجّة وهو لوضوح فساده أحرى بالإعراض عن التعرّض لإبطاله.
وإذا تمهّدت تلك المقدّمة ، فاعلم : أنّه احتجّ أصحاب القول بتعلّق الأحكام بالأفراد دون الطبائع بأنّ الماهيّة يستحيل وجودها في الأعيان فيستحيل تعلّق الحكم بها.
أمّا الأوّل : فلاستلزام وجودها كونها كلّيّا وجزئيّا ، فإنّها من حيث هي كلّي ومن حيث تشخّصها بالمشخّصات الخارجيّة ـ كما هو شأن كلّ موجود في الخارج ـ تصير جزئيّا ، ويستحيل كون الشيء الواحد في حالة واحدة كلّيّا وجزئيّا لمكان التناقض.