الخارج أو لا ، والأوّل محال لكونه طلبا للحاصل ، وكذلك الثاني لكونه طلبا للمعدوم فيعود المحذور ، فلا يجديهم التزام تعلّق الحكم بالفرد.
لأنّهم زعموا أنّ وجود المتعلّق مصحّح لتعلّق الحكم به ، وهو أعمّ من الفعلي كما في أفراد الأعيان الخارجيّة ، والشأني كما في أفراد الأفعال الّتي تصدر عن المكلّف ، فالفرد من شأنه أن يوجد وإن لم يكن موجودا بالفعل ، فيصحّ تعلّق الحكم به بخلاف الكلّي ، على ما زعموه من امتناع وجود الكلّي الطبيعي.
وأجاب عنه بعض الأعلام ـ بعد تسليم أنّ الكلّي الطبيعي غير موجود ـ بما يرجع محصّله إلى : أنّ خطابات الشرع إنّما تجري على متفاهمات العرف ، والعقل ينتزع من الأفراد صورا كلّيّة والعرف يزعمها موجودة ، وعدم وجودها إنّما يظهر على حسب الدقّة الفلسفيّة الّتي لا تنوط بها الخطابات ، فيصحّ تعلّقها بها بهذا الاعتبار ، ولا يضرّ في ذلك عدم مطابقة الاعتقاد للواقع.
واعترض عليه بعض الأعاظم : « بأنّ الامتثال إمّا بالطبيعة وهو مفروض العدم ، وإمّا بالفرد والمفروض عدم تعلّق الأمر به ، مع أنّ الطبيعة على هذا لا تحقّق لها إلاّ بالوهم فكيف يصحّ من الحكيم الأمر بإيجادها ، ففي الحقيقة يبقى الأمر بلا متعلّق ، وأيضا فهم العرف لا يجعل ما لا يصحّ تعلّق الحكم به متعلّقه وهو ظاهر.
__________________
كان من جهة عدم تعيين الفرد ، فيدفعه : أنّه يلزم إذ اعتبر عدم التعيين قيدا في الامتثال لعدم تحقّقه إلاّ في المعيّن الّذي ينشأ تعيينه عن اختيار المكلّف.
وأمّا إذا اعتبر قيدا في الطلب فلا.
وفي وهن الثانى : اندفاعه بإرادة الفرد من باب إطلاق الكلّي على الفرد ، بأن يراد من اللفظ نفس الطبيعة واحيل فهم الخصوصيّة الّتي تعلّق بها الطلب إلى الخارج ، وهو الطلب الّذي لا يتعلّق إلاّ بالممكن.
وأمّا ما يقال في دفع ذلك ـ كما في كلام بعض الفضلاء ـ من أنّ هذا إنّما يتمّ على القول بوجود الطبايع في الخارج ، وأمّا على القول بعدمه كما يراه الخصم فلا ، إذ لا تحقّق للطبيعة حينئذ في ضمن الأفراد حتّى يطلق عليه اللفظ باعتباره.
فيدفعه : أنّ مبنى كلام الخصم على أنّ التكليف لا يتعلّق إلاّ بالمقدور ولا قدرة إلاّ مع الوجود ولا وجود إلاّ للفرد ، ومن البيّن أنّ القدرة من شرايط التكليف فيلزمه اشتراط الوجود في المكلّف به لا من شرايط مطلق الإطلاق والاستعمال ، إذ لم يقل أحد بأنّ الاستعمال في معنى مشروط بوجود ذلك المعنى ، فلذا لا يجري الخلاف في الكليّات الواقعة في غير مقام الطلب ، فلا ضير في أنّ يتعلق الاستعمال بغير الموجود واريد معه تعلّق الطلب بالموجود ولا يستلزم ذلك إرادة ذلك الموجود من اللفظ بالخصوص كما لا يخفى ( منه عفي عنه ).