ولو سلّم فلا يجدي نفعا في ثبوت المطلوب ، لأنّ الصدق النافع أيضا أمر كلّي بل الحسن حينئذ إنّما هو في النافع وهو أعمّ من الصدق ، فلذا يتّصف به كلّ ما قام به النفع وهو موافقة الغرض وإن لم يكن صدقا ولا من مقولة الكلام.
لا يقال : إنّ مرجع هذا القول إلى أنّ الكلام الصادق لا يترتّب عليه حسن إلاّ بعد تلبّسه بالفرديّة والوجود الخارجي ، كما لو كان موجبا لإحياء نفس محترمة ولا سيّما إذا كانت مؤمنة ، فلا حسن في نفس الكلام الصادق ولا في الإحياء في نفسه بل الحسن إنّما هو في هذا الجزئي الخارجي ، فيكون متعلّق الحكم أيضا هذا الجزئي.
لأنّا نقول : كما يتّصف هذا الجزئي بالحسن فكذلك يتّصف به الجزئي الآخر مثله ، واتّصافهما به حينئذ إمّا لأمر مشترك بينهما وهو الوجه العارض لهما معا ، أو لأمر مختصّ بكلّ منهما ، والثاني خلاف الفرض والأوّل موجب لفساد الدعوى ، لأنّ الحسن حينئذ صفة كامنة في ذلك الأمر المشترك لأنّه الّذي أوجب فيهما الاتّصاف بالحسن وهو أمر كلّي ، واتّصاف الفرد به تبعي لا عبرة به.
وعن الثالث : منع كون ايجاد الماهيّة فعلا للمكلّف مع الواسطة ، لما عرفت من التلازم بينها وبين التشخّصات المعتبرة في الفرد ، فإيجاده إيجاد لها بلا واسطة.
غاية الأمر أنّها في تعلّق الأمر بها لوحظت لا بشرط وفي تحقّقها في الخارج ينضمّ إليها شروط خارجة عنها.
ولو سلّم فيتوجّه المنع إلى اعتبار كون المراد بالأفعال في تعريف الحكم ما كان فعلا للمكلّف بلا واسطة ، وإلاّ لخرجت الأفعال التوليديّة عن الحدّ ، والواسطة المعتبر انتفاؤها في تعريف الفقه وموضوعه إنّما هي الواسطة في الإثبات لا الواسطة في الإيجاد كما لا يخفى.
واعلم : أنّ المعروف من المصنّف في الألسنة والكتب الاصوليّة أنّه ممّن يقول بتعلّق الأحكام بالأفراد دون الطبائع.
وقضيّة ما نقلنا عنه في الحاشية ـ على ما حكاه إبنه وجمع من المحشّين ـ من القول بوجود الكلّي الطبيعي بعين وجوده أن لا يجري شيء من الوجوه المتقدّمة في سند القول بتعلّق الأحكام بالأفراد عنده ، حتّى السند المشهور من عدم وجود الكلّي الطبيعي ، بل لا يصحّ حينئذ منه القول المذكور إلاّ إذا أراد بالطبائع ما تلاحظ بشرط لا ، ضرورة أنّ ما يتعلّق بالفرد على هذا المذهب متعلّق بعين الطبيعة الكلّيّة لأنّه عينها.