باعتبار الحصّة الّتي في ضمنه من الحقيقة الكلّيّة » فإنّ لفظة « لو » إذا كانت للوصل إنّما هي للترقّي عن الفرد الظاهر القويّ إلى الفرد النادر الخفيّ على ما هو الغالب فيها ، فإذا كان القول بوجود الحصّة خفيا عنده بقي كون القول بالعينيّة قويّا في نظره ، لأنّ القول بعدم الوجود بالمرّة إنّما ينفيه كلماته السابقة ، فعلى هذا يقع تهافت في قوله : « بأنّ متعلّق الأمر في الحقيقة إنّما هو الفرد الّذي يوجد منه » لأنّ قضيّة ذلك أن لا يكون الكلّي متعلّقا للأمر مع أنّه عين الفرد الموجود عنده.
نعم لو أراد بالكلّي الّذي لا يتعلّق به الحكم الطبيعة الملحوظة بشرط لا ارتفع تلك الحزازة ، فيكون حينئذ لما أشرنا إليه في مفتتح العنوان من القول بأنّ الخلاف في تلك المسألة إنّما نشأ من عدم التمييز بين الماهيّة لا بشرط وبينها بشرط لا وجه في الجملة ، فلا يرد عليه : أنّه مع حمل كلام النافي على إرادة الثاني بعيد عن أنظار العلماء.
فمن هنا تبيّن أنّ تفريع هذا الخلاف على الخلاف في الكلّي الطبيعي على الإطلاق ممّا لا وجه له.
ثمّ إنّه بناء على ما حقّقناه من تعلّق الأحكام بالطبائع لا فرق بين القضايا التكليفيّة والقضايا الوضعيّة ، فيدخل طهارة الماء ونجاسة الكلب وغيرها ممّا لا يحصى ، ولا بين ما تعلّق به الحكم في حيّز الإنشاء أو الإخبار فيدخل مثل ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا )(١) ولا بين ما اريدت الطبيعة من مادّة الصيغة أو لفظها المستقلّ فيدخل مثل ( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ )(٢) ولا بين أن يتعلّق الحكم بنفس الطبيعة أو بما تعلّق بها فيدخل مثل « أعتق رقبة » و « لا تزوّج كافرة » ولا بين الإيجاب والتحريم وغيرهما من الخمسة التكليفيّة فيدخل الندب والكراهة والإباحة.
ثمّ إنّه قد يقال : بأنّ ممّا يتفرّع على الخلاف جواز اجتماع الأمر والنهي في محلّ واحد ، وكون الفرد مقدّمة على تقدير دون آخر إلى غير ذلك.
وتحقيق ذلك : أنّ المكلّف إذا أتى بالصلاة في مكان مغصوب فقد أوجد فردا محصّلا لطبيعتي الصلاة والغصب ، فيمتثل ويعاقب لجهتين على القول المختار دون القول الآخر ، إذ لا يعقل كون الأمر الواحد الشخصي محبوبا ومبغوضا.
ويمكن المناقشة فيه : بأنّ متعلّق الأمر على هذا التقدير أحد الأفراد لا بعينه الموكول
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) الحجّ : ٧٨.