ويبقى الكلام في أنّه هل يعتبر شيء من ذلك في الاستعمالات وإرادات المستعملين لتلك الأوامر أو لا؟
فلابدّ في استعلام ذلك من النظر في الأدلّة الخارجة الكاشفة عن المرادات والمقاصد فإن ثبت من الخارج دلالة من العقل أو العرف أو الشرع قاضية باعتبار شيء من ذلك كلاّ أم بعضا يؤخذ بها ، فينهض ذلك حينئذ أصلا ثانويّا واردا على الأصل الأوّلي ، وتلك الدلالة الخارجيّة حاكمة على الأوامر المطلقة ، كما أنّ الأدلّة القاضية بوجوب المبادرة والاستباق ومطلوبيّة الفور في فعل المأمور به ـ على فرض تماميّتها ـ حاكمة على صيغة الأمر القاضية بإطلاقها بعدم اعتبار ذلك على حسب الوضع.
ولمّا كانت الامور المذكورة في كونها لوازم للوجود ممّا يثبت لزوم بعضها بحكم العقل ، وبعضها بحكم العرف ، وبعضها بحكم الشرع ، فلابدّ في معرفة اعتبار كلّ واحد في المأمور به من المراجعة إلى العقل ومجاري العادات والأدلّة الشرعيّة ، فيقع الكلام لتحقيق ذلك من جهة تعدّد تلك الامور وترتّبها في
المرحلة الاولى
في القدرة
واعتبارها في المأمور به ثابت بضرورة العقل والعرف والشرع ، والإجماع عليه محصّل ، والمنقول منه متواتر ، والضرورة به قائمة ، فالأوامر المطلقة مقيّدة بها جزما غير أنّها بالنسبة إلى المأمور به قيد توضيحيّ وبالنسبة إلى الأمر قيد احترازي ، ولعلّه يأتي عند البحث عن شرائط التكليف فيها زيادة تحقيق ، فهي بالحقيقة خارجة عن معقد كلامنا هنا وإنّما ذكرناها استطرادا.
المرحلة الثانية
في اشتراط قصد العنوان وعدمه
واعلم ، أنّ قصد أصل الفعل من لوازم وجوده عادة لا عقلا ، لإمكان صدوره عن الغافل والساهي والنائم وغيره ممّن لا قصد له إلى الفعل ، وهل هو معتبر في امتثال الأمر والإتيان بالمأمور به؟ فلو أتى به على سبيل السهو والغفلة أو في حال النوم ونحوها لم يكن أداء للمأمور به ، ولا أنّ المأتيّ به متّصف بالوجوب أو لا؟ بل العبرة في صدق الامتثال ، بتحقّق