الفعل كيفما اتّفق ولو على الوجوه المذكورة ، فيه خلاف على قولين ، ذهب إلى أوّلهما بعض الأفاضل.
وحكى القول الآخر عن بعض الأفاضل تعليلا : بأنّ القدر المسلّم من عدم تعلّق التكليف بالغافل هو ما كان من أوّل الأمر ، وأمّا بعد تفطّنه بالتكليف وغفلته بعد ذلك وصدور الفعل منه حينئذ على سبيل الذهول والغفلة فلا مانع من اندراجه في المكلّف به.
وأورد عليه الفاضل المذكور : بأنّ السبب الباعث على عدم تعلّق التكليف به من أوّل الأمر قاض بعدم تعلّقه به بعد ذلك من غير فرق أصلا ، فلا داعي هناك إلى التفصيل ، واعتمد فيما اختاره على ما حكاه من الاحتجاج بوجهين :
الأوّل : أنّ متعلّق الطلب وإن كان مطلق الطبيعة من غير تقييدها بشيء بمقتضى ظاهر الأمر ، لكن تعلّق الطلب بها إنّما يكون مع تفطّن الفاعل به وعدم غفلته عنه ، لوضوح استحالة التكليف بالفعل مع غفلة المأمور وذهوله عن ذلك الفعل ، وحينئذ فقضيّة تعلّق الطلب بالطبيعة هو الإتيان بالفعل على وجه القصد إليه فلا يكون الصادر على سبيل الغفلة مندرجا في المأمور به.
الثاني : أنّ ظاهر ما يستفاد من الأمر في فهم العرف أنّ ما يتعلّق الطلب به هو ما يكون صادرا على وجه العمد دون الغفلة أو الالتباس بغيره كما يشهد به ملاحظة الاستعمالات ، فلا يندرج فيه الأفعال الصادرة على غير ذلك الوجه وإن شملها الطبيعة المطلقة.
وفي الأوّل منهما نظر لا يخفى وجهه على الفطن العارف ، فإنّ حالة التفطّن من حيث هي لا تصلح مخصّصة للمأمور به ، ولا تفيد اعتبار القصد والإرادة في الامتثال وإلاّ للزم اعتبار امور كثيرة فيه كما لا يخفى ، وفساده غنيّ عن البيان.
وأمّا الثاني : فمتّجه جزما ، فإنّ الفعل الصادر لا عن قصد وإرادة ليس بواجب والواجب ليس بصادر ، لا لأنّ القصد معتبر في مفهومه كما توهّم لأنّه مقطوع بفساده بما تقدّم تحقيقه ، ولعلّه نشأ عن توهّم كون ما هو من لوازم الوجود دخيلا في الموضوع له ، بل لأنّ صدق الامتثال عرفا يدور مدار القصد فمع عدمه لا امتثال للأمر ، لا لأنّ الفعل غير صادق على الصادر ، ولا نقول بأنّ الغفلة حينئذ رافعة للتكليف ، حتّى يقال : بأنّ القدر المسلّم من عدم تعلّق التكليف بالغافل هو ما كان من أوّل الأمر ـ كما في الاستدلال ـ بل نقول : إنّ الإتيان بالفعل بعد تعلّق التكليف به مع الغفلة عنه بالمرّة موجب لعدم كونه ممتثلا ولا آتيا بالمأمور به.