والفرق بين المقامين واضح ، فظهر أنّ الاستدلال بما ذكر لا ينطبق على محلّ الكلام ، وما يلزم منه أمر لا دخل له في المقام.
ومن البيّن أنّ التفطّن بالتكليف عند تعلّقه لا يوجب التفطّن بالفعل عند صدوره ، كما أنّ الغفلة عن الفعل في بعض الأحوال لا تستلزم الغفلة عن التكليف في أوّل الحال ، والمدار في الامتثال على صدور الفعل عن قصد ورويّة وإن طرأه الغفلة عن التكليف الثابت حال التفطّن في أثناء العمل ، بل لا يقدح في ذلك عروض النوم أيضا كما في الصوم ونحوه لكفاية القصد إلى الفعل في أوّل الأمر في صدق الامتثال عرفا ، ولا يعتبر فيه استمرار القصد جزما ، ولا يوجب عروض الغفلة ونحوها في الأثناء خروج الفعل عن اتّصافه بالوجوب ، لأنّه قد تعلّق به عند تحقّق شرطه فيستمرّ بقاؤه حتّى لحقه الامتثال أو نحوه من المسقطات ، والغفلة الأثنائيّة ليست منها إجماعا ، وكونها منافية للتكليف بحكم العقل ما كانت ثابتة عن أوّل الأمر لا مطلقا ، فلا يلزم التخصيص في حكم العقل ، فلا وجه لما ذكر في ذلك المقام من أنّ التكليف يتوقّف على العلم فلا تكليف مع الغفلة ، ضرورة أنّ العلم شرط في حدوث التكليف وقد حصل.
غاية الأمر أنّه لا يحكم عليه بالوجوب مع طروّ الغفلة بحسب الظاهر ، ولا ينافيه ثبوت الوجوب بحسب الواقع.
وبالجملة : لا إشكال في اعتبار قصد أصل الفعل في الامتثال بشهادة العرف والعادة مع قضاء الاعتبار به أيضا ، وهل يعتبر فيه مع ذلك قصد العنوان الّذي أمر به على هذا العنوان ، فلو صدر عنه الفعل لا بقصد عنوانه المأمور به لا يعدّ امتثالا للأمر ولا إتيانا بالمأمور به ، ولو كان مقصودا بحسب جنسه أو نوعه؟ كما لو أمره السيّد بإكرام زيد بن عمرو فأتى بما يعدّ إكراما في نظر العرف ، ولكن لا بقصد أنّه إكرام أو أنّه إكرام لزيد أو أنّه إكرام لابن عمرو ، وإن كان قاصدا لكونه إكراما أو إكراما لزيد أو لا؟ بل المعتبر تعلّق القصد بأصل الفعل جنسا أو نوعا فالامتثال حاصل به وإن لم يكن عنوانه المأمور به مقصودا.
وبالجملة : فهل يشترط في صدق الامتثال قصد الوصف العنواني المعتبر في المأمور به أو لا؟ فيه أيضا خلاف على قولين ، أقواهما الثاني ، واحتجّوا للأوّل بوجوه :
أحدها : أنّ الطلب لا يتعلّق إلاّ بالمقدور ، والفعل بدون القصد غير مقدور ، وكما أنّه لا يصحّ طلب غير المقدور فكذلك لا يصحّ طلب القدر المشترك بينه وبين المقدور ، إذ القدر