إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً )(١) الآية.
فإن قلت : حمل « العبادة » في الآية على التذلّل والانقياد لا ينافي مطلوبهم ، إذ التذلّل الّذي هو الغاية المطلوبة من الأوامر لا يتأتّى على وجه مشروع إلاّ بأن يؤتى بالأعمال المأمور بها بقصد الامتثال ، ضرورة أنّ الإتيان بما لم يؤمر به تشريع محرّم ، والمفروض أنّ الإتيان بما أمر من الأعمال أيضا لا يعدّ من التذلّل إلاّ مع اقترانها بهذا القصد ، وهو المطلوب.
قلت : مع أنّه لا ينحصر في الإتيان بالواجبات ، ضرورة حصوله بالمندوبات الّتي لا إشكال في اعتبار القصد المذكور في الامتثال بها كما سنقرّره ، يدفعه : أنّ كون الغاية المطلوبة من الأوامر التذلّل لله غير كون المراد بكلّ أمر حصول التذلّل ، فإن القصر على ما عرفته إضافي بالقياس إلى التذلّل لغيره تعالى من المعبودات الباطلة ، فيكون بالنسبة إلى مناط الاستدلال قضيّة مهملة ، وهي لا توجب المحصورة الكلّيّة جزما.
وأمّا على تقدير جعل « اللام » لغير الغاية وهو التقوّي ، فاورد عليه أيضا : بأنّ النفي والاستثناء لابدّ وأن يرجعا إلى القيد الأخير من الكلام ، فيكون المعنى : « وما امروا بالعبادة إلاّ على وجه الإخلاص » وهو مع عدم دلالته على أنّ كلّ مأمور لابدّ وأن يأتي بالعبادة على هذا الوجه ـ كما هو المدّعى ـ لا يقضي بما هو مطلوب إثباته من وجوب قصد الامتثال في كلّ ما امروا به ، بل إنّما يدلّ على نفي الشرك وإثبات الإخلاص في مقابلته ، فإنّ إخلاص الدين تجريده عن شوائب الشرك ، فيكون المعنى : « أنّهم امروا بأن لا يشركوا ولا يتّخذوا في عباداتهم شركاء لله سبحانه كما هو من دأب المشركين » فعلى هذا لا ربط بين مفاد الآية والمدّعى أصلا.
ويمكن دفعه : بأنّ النفي والاستثناء يرجعان إلى مجموع المقيّد والقيد ، فإذا كان المستثنى هو العبادة المقيّدة يتمّ المطلوب ، لا باعتبار قيده حتّى يقال : بأنّ المراد به الإخلاص في مقابلة الشرك ، بل باعتبار نفس المستثنى وهو العبادة ، لا من جهة أنّ العبادة ما يعتبر في صحّته قصد القربة حتّى يقال : بأنّه أمر اصطلاحي قد ذكر في مقابلة المعاملة ولا ينوط به الخطاب الشرعي ، بل لدوران صدقها في عرف عامّة المتشرّعة ـ على ما يساعده الاستقراء في موارد الاستعمالات ـ على مواظبة فعل الواجبات والقيام بالمندوبات لا مطلقا بل إذا كانت مقرونة بنيّة الإخلاص وقصد التقرّب ، مع أنّها على ما
__________________
(١) البقرة : ٨٣.