ـ كالأمر بالتوجّه إلى الكعبة في الصلاة والأمر بالتوجّه إلى بيت المقدس فيها أيضا أو شرعا ـ كالأمر بالصلاة في وقت معيّن والأمر بالصدقة بما يوجب الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة في ذلك الوقت ـ وكان المقام ممّا اجتمع فيه شرائط النسخ يحمل عليه لشهادة القوّة العاقلة به مع بناء العرف عليه وقضاء العادة ، وإلاّ فلا مناص من كونه مخيّرا في الإتيان بأيّهما شاء ، هذا مضافا إلى أنّه المفهوم منهما في العرف والعادة.
وإن كان بالاختلاف الغير المنافي ، لإمكان الإتيان بهما معا وأمكن الجمع بينهما في آن واحد ، كالأمر بالصلاة والأمر بالصوم ، يجوز الإتيان بهما بالجمع أو التفريق لأصالة البراءة عن التعيين ، مضافا إلى ظهور اللفظ وبناء العرف والعادة من غير فرق في ذلك بين تخلّل العطف وعدمه ، ولا بين اتّصال الأمر [ ين ] وانفصالهما إلاّ أن يقضي خارج بتعيين أحدهما كالأمر بإجزاء الوضوء (١) ونحوه الأمر بإجزاء الصلاة في مثال الجمع ، والأمر بالصوم مع الأمر بالصلاة ليلا في مثال التفريق ، وإن لم يمكن الجمع بينهما كالأمر بالصلاة والوقاع تعيّن التفريق في الإتيان بهما ، والوجه في الكلّ واضح بعد ملاحظة بناء العرف ومجاري العادات مع قضاء القوّة العاقلة.
وأمّا الصورة الثانية : فيما لو تساوى المفهومان كالأمر بإكرام الحاجّ مع الأمر بإكرام المعتمر ، فإن كان ذلك بتوسّط العطف كان ظاهرا في تعدّد التكليف كاشفا عن الاستحقاق من جهتين وإن اتّحد المورد بحسب المصداق والوجود الخارجي ، قضيّة لظهور « الواو » في المغايرة فلا ينافيها أصالة البراءة ، وإلاّ فالأقرب إرادة التأكيد لمكان ما هو الغالب في نظائر المقام ، إلاّ مع العلم بتعدّد السبب القاضي بتعدّد التكليف ، أو العلم بتعدّد أصل التكليف من خارج ، وهل يتداخل التكليفان عند الامتثال أو لا؟ وجهان مبنيّان على الأصل الآتي.
وأمّا الصورة الثالثة : فيما لو كان أحد الأمرين أخصّ مطلقا من الآخر ، تقدّم أو تأخّر أو تقارنا كقوله : « أعتق رقبة » مع قوله : « أعتق رقبة مؤمنة » ولا إشكال فيهما مع العلم بوحدة التكليف أو تعدّده أو العلم بتعدّد السبب ، بل الإشكال إنّما هو في موضع الاحتمال.
واحتمال أنّه يندفع بإطلاق قولهم بوجوب حمل المطلق على المقيّد.
يدفعه : تعليل تلك القاعدة في كلام الأكثر بكونها طريق يجمع بين المطلق والمقيّد ، فإنّه ـ مضافا إلى تصريح بعضهم ـ ممّا يشهد بكونها إنّما تجري في موضع العلم بوحدة
__________________
(١) كذا في الأصل ، والصواب « الصوم » بدل « الوضوء » تطرأ إلى السياق والله العالم.