بهما لا يتوقّف على شيء من خطاب الشرع.
والآخر : أن يحكم بتوسّطه كحكمه بحجّيّة المفاهيم إن جعلناها من باب الملازمة العقليّة بين المدلولين ، وغيرها من الاستلزامات العقليّة كوجوب التوجّه إلى جميع ما حاذى الكعبة عند الأمر باستقبالها ، ومثله كون الأمر بالشيء نهيا عن ضدّه ، ومن هذا الباب وجوب المقدّمة ، فإنّه حكم عقلي ينشأ بملاحظة خطاب الشرع بوجوب ذيها ويتوصّل به إلى أحكام شرعيّة متعلّقة بمقدّمات الواجبات.
وأمّا ذكره في باب الألفاظ فلا يكاد يوجد له مناسبة إلاّ أن يرجع إلى مدلولها الّذي هو الوجوب هنا ، ويقال : بأنّه إذا تعلّق بشيء هل يستلزم وجوب مقدّمة ذلك الشيء أو لا؟
ولو لا ذلك لما كان له تعلّق بالدلالات اللفظيّة ، لأنّ البحث فيها راجع إلى الوضع والحقيقة والمجاز وما يتعلّق بهما من المباحث ، والكلام في تلك المسألة ليس راجعا إلى شيء من ذلك ، وإنّما المناسب لذلك البحث عن حجّية المفاهيم وهو لزوم الانتفاء عند الانتفاء ، وعن دلالة الأمر على الوجوب ، ضرورة عدم كون البحث عنهما في الملازمة بين الثبوت عند الثبوت والانتفاء عند الانتفاء ، ولا فيها بين الطلب وعدم الرضا بالترك لكونها فيهما مفروغا عنها من جهة القطع بعدم ملازمة بين طرفي المسألتين ، بل الكلام فيهما راجع إلى الوضع والنظر إلى أنّ الجملة الشرطيّة مثلا هل وضعها الواضع للدلالة على الثبوت عند الثبوت على نحو التعليق ليؤدّي إلى الانتفاء عند الانتفاء ، وأنّ الأمر هل وضعه للطلب مع عدم الرضا بالترك أولا فيهما؟
وبعبارة اخرى : هل التعليق وعدم الرضا بالترك أخذهما الواضع جزءين من الموضوع له في الجملة الشرطيّة والأمر أو لا؟ بخلاف الكلام في بحث مقدّمة الواجب ، فإنّه راجع إلى ثبوت الملازمة بين معنيين يكون كلّ منهما مفروغا عنه ، والملازمة لا مدخل لها في الدلالة اللفظيّة بل هي أمر يجيء من جانب العقل ، فحاصل الفرق بين هذه المسألة والمسألتين المشار إليهما : أنّ المعنى في هذه المسألة وهو وجوب المقدّمة مفروغ عنه والكلام إنّما هو في الملازمة بينه وبين معنى آخر وهو وجوب ذيها الثابت بالخطاب الشرعي ، فلا كلام في الوضع ولا الموضوع له ، بخلافهما فإنّ الملازمة فيهما كما عرفت مفروغ عنها من جهة القطع بالعدم ، وإنّما الكلام في مدخليّة معنى في الموضوع له وعدمها ، فالوجه في المقام إيراد هذه المسألة في بحث الأحكام أو الأدلّة العقليّة.