وبما قرّرنا ظهر وجه الخلط والاشتباه ، فإنّ نظره ـ دام ظلّه ـ بالنسبة إلى مصادفة وجود المانع إلى موانع التأثير وحصول الأثر ، وبالنسبة إلى مصادفة عدم الشرط إلى شروط نفس المؤثّر ، فأبدى الفرق في فائدة القيد بحصولها على الأوّل وعدم حصولها على الثاني غفلة عن عدم الفرق في حصول الفائدة على الأوّل بينه وبين عدم الشرط لو كان من شروط التأثير ، وفي عدم حصولها على الثاني بينه وبين وجود المانع لو كان من موانع نفس المؤثّر.
كما ظهر اشتباه بعض الأفاضل أيضا فيما نقلناه عنه ، فإنّه أيضا مبنيّ على الخلط المذكور.
كما ظهر اندفاع ما نقلناه عن بعض الأعاظم فإنّ المراد بقيد « لذاته » ليس إفادة كون الذات علّة تامّة ليتوجّه إليه : أنّ ما كان معلولا للذات لا يختلف ولا يتخلّف ، بل إفادة أنّ الكلام في التحديد إنّما هو في تامّ السببيّة ، والسبب التامّ في مصطلحهم أعمّ من العلّة التامّة ، فلذلك نراهم يطلقون السبب التامّ في باب العقود وغيرها من الإيقاعات على ما جامع جميع الشرائط الراجعة إلى الصيغة وتجرّد عن الموانع الراجعة إليها ، سواء جامع المحلّ أو المباشر معه لشرائط التأثير وفقد موانعه أو لا؟ بل يحكمون بنفي مدخليّة ما يشكّ في مدخليّته في التأثير ولم يقم عليها من الشرع ما يوجب الاطمئنان بمجرّد تحقّق السبب التامّ الموجب لتناول عمومات الصحّة وإطلاقاتها ، ويقولون : إنّه سبب تامّ وقع عن أهله في محلّه فيؤثّر.
أمّا الأوّل : فلاجتماع شرائطه وفقد موانعه.
وأمّا الثاني : فلقضاء العمومات والإطلاقات بذلك ، إذ المفروض فقد ما ينافي مقتضاها.
ومن هنا تبيّن فساد إيراد بعض الفضلاء أيضا ، فإنّ كلام بعض الأعلام غير مشعر بما نسب إليه من إرادة السبب الناقص فضلا عن كونه صريحا ، إلاّ إذا اريد بالسبب ما هو من مصطلح أرباب المعقول وكلامه خال عمّا يرشد إلى ذلك ، بل ظاهره بقرينة الأمثلة الّتي ذكرها ـ من الصيغة في العتق الواجب والوضوء والغسل للطهارة من الحدث والغسل بالنسبة إلى إزالة الخبث في السبب الشرعي ، والنظر المحصّل للعلم الواجب في السبب العقلي وجزّ الرقبة للقتل الواجب في السبب العادي ـ الجري على مصطلح القوم ، ضرورة أنّ الامور المذكورة بمجرّدها ليست علل تامّة وإنّما هي أسباب لما يطلب منها من الآثار ، ولا ملازمة بينها وبين نقصانها حتّى يستظهر من كلامه أنّه أراد من السبب باعتبار القيد المذكور ما يتناول السبب الناقص.