وبيان ذلك : أنّ مقدّمة العلم ما كان سببا لحصول العلم بإتيان المأمور به ، كتكرّر الصلاة في الجوانب الأربع أو في الثوبين المشتبهين ، وهو ليس كسائر الأسباب الّتي بينها وبين مسبّباتها ترتّب في الوجود الخارجي وتغاير بحسب المفهوم والمصداق ـ كنصب السلّم والتدرّج بدرجاته للصعود ، وتحصيل الدابّة للزيارة والحجّ ، نظرا إلى أنّ لكلّ منهما وجودا غير وجود الصعود والزيارة والحجّ بالمغايرة الحسّيّة الموجبة للتفكيك بينهما وبين ما يتوقّف عليهما ممّا ذكر ـ حتّى يمكن التفكيك بينه وبين العلم الّذي هو مسبّب عنه بتجويز كون العلم ممّا يلزمنا العقل عليه للتوصّل بحصول الاطمئنان بالإطاعة مع عدم إلزام على مقدّمته كما هو جائز في سائر المسبّبات بالقياس إلى أسبابها ، بل هو نظير الأسباب الّتي وجودها في الخارج عين وجود مسبّباتها ، بحيث لا تغاير بينها وبين المسبّبات إلاّ بحسب العنوان والمفهوم من دون ترتّب بينهما في الوجود الخارجي بالتقدّم والتأخّر ، كتواضع زيد لإكرامه أو ضيافته له أيضا ، فإنّ الأوّل سبب للثاني وهما بحسب المفهوم والعنوان وإن كانا أمرين متغايرين إلاّ أنّهما بحسب الوجود الخارجي أمر واحد ، ضرورة أنّ مجرّد تواضع زيد أو ضيافته إكرام له ، فإلزام السيّد عبده على إكرام زيد إلزام له على تواضعه وضيافته ، وقوله : « أكرم زيدا » بمنزلة قوله : « تواضع لزيد أو أضفه » بل هو عينه في الحقيقة.
فحينئذ لا يمكن التفكيك بينهما بإبداء القول بجواز الإلزام على الإكرام دون التواضع والضيافة ، كيف وأنّ الإلزام على الأوّل عين الإلزام على الثاني.
ومن هذا الباب مقدّمة العلم بعينها ، فإنّ (١) إلزام العقل على العلم بأداء المأمور به ـ كالصلاة إلى القبلة عند الاشتباه ـ عين الإلزام بمقدّمته الّتي هي عبارة عن تكرّر الصلاة إلى أكثر من جهة واحدة ممّا يحتمل في موضع الشبهة ، إذ لا تغاير بينهما في الوجود الخارجي ، ضرورة أنّ العلم بإتيان المأمور به في الواقع عين الإتيان بالصلاة في الجهات الأربع ، ومع ذلك كيف يتصوّر التفكيك بينهما بدعوى : أنّ الأوّل واجب بحكم العقل دون الثاني ، وكيف يمكن إنكار أنّ الأمر بتحصيل العلم أمر بتكرّر الصلاة ، وإبداء القول بأنّ الأوّل لا يستلزم الثاني. هذا على ما استفدناه عن الشيخ الاستاذ ـ دام ظلّه ـ ولكنّه عندي محلّ نظر يظهر
__________________
(١) وبعبارة اخرى : أنّ ذا المقدّمة هنا دفع الضرر المترتّب على ترك المأمور به ، ومقدّمته تكرير الصلاة في الجهات الأربع ومن المعلوم أنّ إلزام العقل على دفع الضرر عين إلزامه على تكرير الصلاة إذ لا تغاير بينهما بحسب الوجود الخارج أصلا ولو فرضت متغايرة فهي بحسب العنوان والحيثيّة كما لا يخفى. ( منه ).