ويدفعه : إنّ المأخوذ في الحدّ تعليق الذمّ على الترك الّذي هو مبدأ الاشتقاق في لفظ « التارك » وهو يفيد العليّة في محلّه الّذي هو المتروك بعينه دون غيره ، فتعميمه بالنسبة إلى غيره خلاف ظاهر يعيب ارتكابه في التعاريف الّتي مبناها على الوضوح والظهور ، فلذا لا يجوّزون أخذ المجازات أو المشتركات فيها بلا قرينة التعيين ، فيشترطون كون المعرّف أجلى من المعرّف.
والأولى أن يزاد على ما ذكر قولنا : « ولو من جهة غيره ».
ويمكن الذبّ عن البواقي : بأنّ الفرق بين ما يوجب تركه استحقاق الذمّ أو العقاب لذاته أو لعارض.
وظاهر الحدّ هو الأوّل واللازم في المذكورات هو الثاني ، فلا يندرج أحدهما في الآخر.
ولا يرد النقض بمقدّمة الواجب نظرا إلى أنّ مفاد القيد المذكور إنّما لزوم الذمّ بالعارض ، إذ المقدّمة لذاتها لا يوجب تركها استحقاق ذمّ لأنّ ذلك إنّما يصير بالعارض إذا اضيف الذمّ إلى ترك المقدّمة ، وأمّا إذا اضيف إلى غيره وهو ترك ذي المقدّمة فهو ذاتيّ ، والمقصود من القيد إفادة الثاني دون الأوّل كما لا يخفى.
ثمّ إنّهم ذكروا أنّ الواجب بهذا المعنى يرادفه « الفرض » و « اللازم » و « المحتوم » خلافا للحنفيّة ، حيث إنّهم خصّوا « الفرض » بما يثبت بدليل قطعي كالصلوات الخمس الثابتة بالتواتر ، و « الواجب » ما ثبت بدليل ظنّي كالوتر ثبت بخبر الواحد العاص أبو زيد ، وقالوا : إنّ « الفرض » التقدير ومنه قوله تعالى : ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) لهنّ (١) إلى قدّرتم ، فما كان دليله قطعيّا علم أنّه يقدّر في الأزل علينا ، وما ثبت بظنّي لم يعلم أنّه مقدّر فكأنّه ساقط علينا فنخصّه باسم الوجوب وهو السقوط.
قال السيّد في المنية : وهذا الكلام لا يخفى على المتأمّل ضعفه ، فإنّ « الفرض » التقدير سواء كان طريق معرفته علميّا أو ظنّيا ، كما أنّ الساقط « الواجب » من غير اعتبار طريق ثبوته ، ولكن لا مشاحّة في الاصطلاح.
ثمّ إنّ التحقيق ـ على ما تقدّم في بحث صيغة « افعل » ـ أنّ الوجوب والإيجاب متغايران بالذات مفهوما ومصداقا ، فإنّ الثاني تأثير والأوّل أثر أو تأثّر ، والأوّل من مقولة الفعل والثاني من مقولة الكيف والانفعال وهما متقابلان فكيف يتّحدان بالذات ، خلافا
__________________
(١) البقرة : ٢٣٧.