أبي بكر وهو قوله : « الواجب ما يذمّ تاركه شرعا على بعض الوجوه » فقولنا : « ما يذمّ » أجود من قولنا : « ما يعاقب » لأنّ الله تعالى قد يعفو عن تارك الواجب ولا يقدح ذلك في وجوبه ، وخير من قولنا : « ما يخاف العقاب على تركه » لأنّ ما ليس بواجب قد يخاف على تركه عند الشكّ في وجوبه ، وقوله : « شرعا » ليخرج به الواجب العقلي الّذي يذمّ تاركه عقلا عند من يقول به ، وقوله : « على بعض الوجوه » ليتناول التعريف الواجب الموسّع والمخيّر والكفاية ، فإنّ الموسّع يذمّ تاركه على بعض الوجوه وهو ما إذا تركه في جميع وقته ، والواجب المخيّر إذا أخلّ جميع الخصال ، والكفاية إذا تركه المكلّفون بأسرهم.
وهذا الرسم ارتضاه فخر الدين الرازي وأكثر المتأخّرين من الأشاعرة.
واعترض : بأنّه غير مطّرد ، فإنّ الساهي والنائم والمسافر وغيرهم من ذوي الأعذار لا يجب عليهم الصوم مثلا ويذمّون على تركه شرعا على بعض الوجوه ، وهو تقدير انتفاء أعذارهم.
فإن اجيب : بأنّ الوجوب ثابت على ذلك وإنّما يسقط بالنوم والسهو والسفر.
قلنا : فالواجب على الكفاية والموسّع والمخيّر يسقط بفعل البعض وبفعله في آخر الوقت ، وبفعل بدله ، فلا حاجة إلى القيد فيها كما لا حاجة إلى القيد في النائم والساهي والمسافر.
والمصنّف ـ قدّس الله روحه ـ حذف من الحدّ المذكور هذا القيد ، أعني قوله : « على بعض الوجوه » لذلك ، واقتصر على ما قبله مع حذف قوله : « شرعا » لأنّ الوجوب عنده قد يكون عقليّا كما يكون شرعيّا فيذمّ تاركه عقلا.
ولا يرد عليه النقض في عكسه بالواجب المخيّر والموسّع والكفاية لتحقّق الوجوب فيها مع أنّ تاركها لا يذمّ ، لأنّ الواجب في المخيّر الأمر الكلّي ، إلى آخر ما قال.
ولا يذهب عليك انتقاض هذه الرسوم بأسرها عكسا بمقدّمة الواجب على القول بوجوبها ، إذ لا يستحقّ تاركها الذمّ ولا العقاب على تركها عند القائل بالوجوب ، وطردا بترك المندوبات إذا نشأ على جهة الاستكبار أو الاستخفاف مع عدم وجوبها جزما ، وكذلك بترك جميعها بحيث يؤدّي إلى التجرّي على ترك الواجبات بل بترك الجماعة لثبوت الذمّ في الشريعة على ما يشهد به الأخبار الواردة على تاركها مع كونها مندوبة ، بل بترك بعض المباحات أيضا حيث ورد الذمّ على تارك أكل اللحوم بالمرّة.
وقد يذبّ عن الأوّل : بأنّ المأخوذ في الحدّ هو استحقاق الذمّ أو العقوبة وهو يعمّ ما لو كان الاستحقاق المذكور على تركه أو ترك غيره وذلك حاصل في المقدّمة أيضا.