ثمّ إنّ جعل مقدّمات الوجود مناطا للإطلاق والتقييد يشعر بخروج الإطلاق والتقييد بالنظر إلى ما ليس بمقدّمة أصلا ، أو ليس بمقدّمة وجوديّة وإن كانت مقدّمة وجوبيّة وهو كما ترى ممّا لا دليل عليه ، إذ لم يظهر إلى الآن كون ذلك إصطلاحا بالقياس إلى هذه المقدّمات ، بل نقول : إنّ المعلوم من طريقتهم والمعهود من اصطلاحهم أنّ الواجب المطلق ما يكون الوجوب ثابتا له بالفعل من غير اشتراط وجوبه بشيء يفرض في عالم الإمكان ، سواء كان ذلك ممّا يتوقّف عليه وجوده كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة أو لا ، كحركة اليد أو الأصبع ونحوها بالنسبة إليها أيضا ، والمقيّد ما لا يكون الوجوب ثابتا له بالفعل بل كان مشروطا بشيء غير حاصل ، سواء كان ذلك الشيء ممّا يتوقّف عليه وجوده ـ كقدوم زيد عن الحجّ إن علّق وجوب إكرامه عليه ، وكيوم الخميس في الصوم المأمور به مقيّدا بكونه فيه ـ أو لا كاستطاعة الحجّ ونصاب الزكاة وانعقاد العدد في صلاة الجمعة إن لم نجعله شرطا لصحّته وإلاّ فيرجع إلى مقدّمة الوجود أيضا ، فعلى هذا يرد على هذا التعريف من جهة اشتماله على القيد المذكور اشكالان :
أحدهما : خروج الواجب بالنسبة إلى جملة من مقدّمات التكليف كالعقل والبلوغ عن كونه مطلقا ومقيّدا ، لعدم كونهما ممّا يتوقّف عليه وجوده فلا يكون مطلقا لمكان توقّف وجوبه عليهما ولا مقيّدا لعدم كونهما من مقدّمات الوجود وهو باطل ، لأنّ الإطلاق والتقييد قد يلاحظان بالنسبة إلى تلك المقدّمات فيتّصف بكلّ واحد من الوصفين بملاحظتها (١) وجودا وعدما ، إلاّ أن يلتزم بارتكاب تأويل في التعريف ليرتفع ذلك الإشكال.
__________________
(١) وفيه نظر من جهة كون العقل والبلوغ كالعلم والقدرة ممّا يتوقّف عليه وجود الواجب من غير فرق.
وبيان ذلك : أنّ الواجب قد يتوقّف وجوده على شيء مع قطع النظر عن وصفه العنواني وباعتبار ذاته مع قطع النظر عن الأمر به كما في العلم والقدرة وكذلك الإرادة والسعي في تحصيله إلاّ أنّهما ليسا كالأوّلين من جهة عدم توقّف الوجوب عليهما ، وقد يتوقّف على شيء باعتبار وصفه العنواني وكونه متعلّقا للأمر إمّا من جهة أنّه لا أمر بدونه أصلا ورأسا كما في العقل والبلوغ أو من جهة أنّ ما خلا عنه ليس موردا للأمر ومتعلّقا له كما في الطهارة وغيرها ممّا يعدّ عندهم من شرائط الصحّة فيكون العقل والبلوغ أيضا ممّا يتوقّف عليه وجود الواجب من حيث إنّه واجب ، إذ بدونهما لا وجوب فما يصدر عن الصبيّ والمجنون ليس بواجب لامتناع صدوره عنهما باعتبار فقدهما لوصف الوجوب الّذي هو وصف عنواني في الواجب فعلى هذا القول أنّ الصلاة بالنسبة إلى العقل والبلوغ واجب مقيّد كما أنّها بالنسبة إلى القدرة والعلم واجب مقيّد لتوقّف وجوبها بالنسبة اليهما على ما يتوقّف عليه وجودها متّصفة بوصف الوجوب فالإشكال مندفع بذلك جزما ولا حاجة إلى شيء من التكلّفات المذكورة في المتن. ( منه ).