وينتفي بانتفائه أو لا؟
والظاهر وقوع الكلام في كلّ من الوجوه الثلاث أمّا الأخير فلما يرشد إليه عنوانهم المعروف المعبّر عنه بالأمر المعلّق على كلمة « إن » وسيأتي تقرير الخلاف فيه عند إيراد المصنّف البحث عنه.
وأمّا الثاني فهو الّذي صار السيّد فيه ـ على ما يساعده ظاهر عبارته الّتي نقلها المصنّف ـ إلى التوقّف التفاتا إلى ورود أوامر الشريعة على قسمين الموجب لدورانه في محلّ الاشتباه بين تقييدين ، والباقون يظهر منهم المخالفة والبناء على ترجيح أحدهما على الآخر ، وسيأتي الإشارة إلى تحقيق الحال فيه أيضا.
وأمّا الأوّل : فهو النزاع المعروف المبنيّ على كون الأمر المطلق حقيقة في الواجب المطلق خاصّة أو فيه وفي المقيّد على طريق الاشتراك لفظا أو معنى؟ وعليه فانفهام المطلق منه هل هو من باب الانصراف أو الإطلاق وعدم التقييد بترك ذكر القيد معه؟ وجوه بل أقوال ، أظهرها وفاقا لجماعة من فحول الأعلام الأوّل ولعلّه المشهور فيما بينهم.
لنا على ذلك : تبادر الإطلاق عند الإطلاق ، وهو أمارة الحقيقة والأصل فيه كونه وضعيّا ، مضافا إلى عدم استحقاق العبد المبادر إلى امتثال الأمر للذمّ مع قيام احتمال توقّف وجوبه على شيء غير حاصل ، وإلى استحقاقه الذمّ لو أخّر الامتثال معتذرا بقيام الاحتمال المذكور.
والفرق بينه وبين الأوّل ـ مع رجوعه إليه ـ واضح يلتفت إليه المتأمّل ، فلا يرد أنّه تكرار في دليل واحد.
ويدلّ عليه أيضا صحّة السلب عمّا قيّد وجوبه قبل حصول شرطه ، فيصحّ أن يقال : « إنّه ليس بواجب الآن ، ولا بلازم ، ولا بمأمور به » وهو من أقوى علائم الوضع.
لا يقال : إنّه لا ملازمة بين الموادّ والصيغة كما في السؤال وكذلك الالتماس فإنّه ليس بمأمور به مع أنّ الصيغة تستعمل فيهما حقيقة.
لأنّا نقول : فرق واضح بين ما ذكر وبين محلّ البحث ، فإنّ صحّة السلب ثمّة من جهة انتفاء قيد « العلوّ » عن السؤال والالتماس المعتبر في مفهوم الأمر ، وصدق الصيغة عليهما حقيقة إنّما من جهة عدم اعتبار ذلك القيد في مفهومها.
وأمّا هنا فيصحّ السلب وإن صدرت الصيغة عن العالي على جهة الاستعلاء وليس ذلك إلاّ من جهة انتفاء مفهوم الوجوب الّذي هو الموضوع له في الصيغة.