أمرا بإرادة المأمور به.
وما عن الأشاعرة كما في النهاية ، والمحقّقين كما في المنية ، من أنّها تصير أمرا بالوضع من دون تأثير لإرادة المأمور به في صيرورتها أمرا ، واختاره العلاّمة في التهذيب والنهاية.
حجّة الأوّلين : أنّ الصيغة قد ترد أمرا وقد ترد غيره كالتهديد والإباحة ولا مخصّص لها إلاّ الإرادة ، كما أنّ في قولنا : « ضرب عيسى موسى » يصير « عيسى » فاعلا و « موسى » مفعولا بقصدنا.
واحتجّ العلاّمة على ما اختاره : بأنّ الصيغة موضوعة لتلك الإرادة ودالّة عليها كغيرها من الألفاظ الموضوعة لمعانيها ، فلا تكون مفيدة لها صفة « الأمريّة » كسائر المسمّيات بالقياس إلى الأسماء.
وفيه : ما لا يخفى من أنّ الصيغة ما لم يكن مرادا منها إرادة المأمور به ولو بحسب ظاهر اللفظ وظهور دلالته عليها فمن أين يحكم بكونها أمرا ، مع كثرة ورودها لغير « الأمر » كما عرفت.
ألا ترى أنّ لفظة « على » ترد فعلا وحرفا وكذلك كلمة « في » ولا سبيل إلى تخصيصهما بالفعليّة أو الحرفيّة إلاّ الإرادة ، ولو كان ثبوتها بحسب ظاهر اللفظ أو معونة القرائن.
وقد يقال : بأنّ مدّعي تأثير الإرادة في كون الصيغة أمرا إن أراد أنّها مؤثرة في وضع الواضع إيّاها بإزاء « الأمر » كان ظاهر الاستحالة ، وإن أراد أنّ الصيغة المجرّدة عن تلك الإرادة ليست أمرا حقيقيّا فهو حقّ ، بل يكون اللافظ حينئذ مستعملا لها في غير موضوعها كاستعماله إيّاها في الخبر وغيره ، ولا يخفى أنّ هذا جيّد.
وقد يعترض على أصل هذا النزاع : بأنّه إمّا لفظيّ أو راجع إلى النزاع المتقدّم في الأمر الأوّل ، لأنّه لو اريد بذلك توقّف كونها أمرا على إرادة الطلب فلا يكون أمرا بدونها ، فهو من الامور الظاهرة ولا مجال لإنكاره ولا يظنّ أحدا يخالف فيه كما هو الشأن في سائر الألفاظ ، لكون الإرادة هي المخصّصة لها بمعانيها حقيقيّة كانت أو مجازيّة ، وإن كان الوضع كافيا في حملها على معانيها الحقيقيّة والحكم بإرادتها من غير حاجة إلى قيام دليل آخر عليها فيعود النزاع إذن لفظيّا. فيحمل كلام الأشاعرة حينئذ على الاكتفاء بظاهر اللفظ.
وإن اريد توقّفه على إرادة المطلوب ، بمعنى أنّ الصيغة إنّما تكون أمرا إذا اريد بها من المأمور إيقاع الفعل دون ما إذا لم يرد ذلك.