وتفصيل ذلك : أنّ الشكّ إن كان في اشتراط الوجوب بحدوث شيء غير حاصل فهو من مجرى أصل البراءة وهو يقضي بالاشتراط ، لأنّ الشكّ في شرطيّة شيء غير حاصل للوجوب يرجع إلى الشكّ في التكليف حينما لم يكن ذلك الشيء موجودا ، وقضيّة الأصل براءة الذمّة عن التكليف وهو ملزوم لكون
الواجب مشروطا.
فإن قلت : الاشتراط قيد زائد وجوديّ ينفيه أصالة العدم ، فلا معنى للتمسّك بأصل البراءة في إثباته.
قلت : الاشتراط وإن كان بظاهره قيدا وجوديّا ولكنّه بحسب الواقع قيد عدمي وهو عدم الوجوب ، لأنّ الشكّ في اشتراط شيء في الوجوب كوجود الإمام لوجوب صلاة الجمعة ملزوم للشكّ في الوجوب والأصل عدمه ، وهو ملزوم للاشتراط وهو المراد بقولنا : « إنّ مقتضى أصل البراءة هو الاشتراط » ، على أنّ المراد بالأصل العملي ما يجب أن يكون العمل على طبقه ، وأصالة الاشتراط ما يطابقه بناء العمل وهو الحكم بعدم الوجوب ، فلا يرد توهّم كون الأصل مثبتا ، فليتدبّر.
وإن كان الشكّ في بقاء الوجوب بعد حدوثه بحدوث ما هو شرط له مع تعقّبه بانعدامه فورا ، كأن يكون مرجع الشكّ في بقاء الوجوب إلى الشكّ في أنّ هذا الشيء كما كان حدوثه شرطا للوجوب فهل بقاؤه أيضا شرط لبقاء الوجوب ، حتّى يلزم منه الحكم بعدم البقاء لانتفاء شرطه ، نظرا إلى أنّ الشكّ إنّما حدث بعد انعدام ما يصلح بقاؤه شرطا للبقاء ممّا كان حدوثه شرطا لحدوث الوجوب أو لا يكون بقاؤه شرطا ، حتّى يتّجه الحكم بالبقاء نظير التغيّر بعد زواله بنفسه في الماء المتغيّر بالنجاسة عند الشكّ في بقاء النجاسة وارتفاعها ، المسبّب عن الشكّ في أنّ بقاء التغيّر أيضا شرط للبقاء كما كان الحدوث شرطا للحدوث أو لا؟
وظاهر أنّ مقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب ، وهو يلازم كون الواجب مطلقا.
وإن كان الشكّ في وجوب إبقاء شرط الوجوب بعد وجوده ، كالإقامة في السفر على تقدير كونها [ شرطا ] لوجوب الصوم الفائت أو المنذور ، فمقتضى الاشتغال بالصوم الثابت بوجودها المستدعي للقطع بالامتثال لزوم الإبقاء ، إذ القطع لا يحصل إلاّ مع الإتيان بالصوم مشتملا عليها ، فيجب كون الصوم في المثال المذكور حاصلا في حال الإقامة ، إذ بدونها لا يتأتّى ذلك جزما وهو يلازم كون الواجب أيضا مطلقا.
هذا كلّه إذا دار الأمر بين الإطلاق والتقييد ، وأمّا إذا دار بين التقييدين أعني تقييد