المردّد في غير هذا المثال كاف في إفادة كونه شرطا للواجب ، إذ مع وجوده يتحقّق ما هو شرط لكليهما ومع عدمه لا وجوب حتّى يحتاج الواجب إلى بيان ما هو شرط له.
ولا يخفى ما فيه من الوهن ، فإنّ احتمال كون الواجب بعد تقييد الوجوب بذلك الشرط مقيّدا غير مناف للحكمة إن كان بالنسبة إلى هذا الشرط أيضا ، حتّى يكون مع وقوعه شرطا للوجوب شرطا للوجود أيضا ، فهو ـ مع أنّه مستحيل عقلا لاستلزامه اجتماع النقيضين كما تقدّم ـ خلاف الفرض ، لأنّ المفروض دورانه بين كونه في الواقع شرطا للوجود الصرف أو الوجوب الصرف ، إذ المقطوع به تقييد أحدهما مع بقاء الآخر على إطلاقه ، فلو فرض رجوعه إلى الوجوب تعيّن الواجب مطلقا ، كما لو فرض رجوعه إلى الواجب بقي الوجوب مطلقا فلا إغراء بالجهل على كلا التقديرين ، وإن كان بالنسبة إلى شرط آخر محتمل ثبوته فهو أيضا خلاف الفرض ، وعلى تقدير تسليمه فهو غير مطّرد في جميع صور المسألة ، فيبقى الإشكال غير مندفع بالنسبة إلى ما لا يحتمل فيه ذلك.
المقام الثاني : في الوجوب المستفاد من الأدلّة اللبيّة كالإجماع ونحوه ، كما لو انعقد الاجماع على وجوب صلاة الجمعة وشكّ في اشتراط وجوبه بوجود الإمام حتّى تكون الصلاة واجبا مقيّدا على تقدير ومطلقا على تقدير آخر ، فهل الأصل فيه كونه مطلقا أو مقيّدا أو لا أصل في البين؟
وظاهر أنّه لا مرجع حينئذ إلاّ الاصول العمليّة من أصلي البراءة والاشتغال والاستصحاب ، والمقامات تختلف باختلاف جريانها فيجري في بعضها ما يقضي من الاصول باشتراط الوجوب ، وفي بعضها ما يقضي منها بإطلاقه.
وضابطه أنّ الشكّ في الإطلاق والتقييد راجع لا محالة إمّا إلى الشكّ في المكلّف به أو في التكليف.
وعلى الثاني فإمّا أن يكون في حدوث التكليف أو بقائه ، فإن كان الأوّل فهو من مجاري أصالة الاشتغال ، ومقتضاها كون الشيء شرطا للوجود فيكون الواجب مطلقا.
وإن كان الثاني فهو من مجاري أصالة البراءة ومقتضاها كون الشيء شرطا للوجوب فيكون الواجب مقيّدا.
وإن كان الثالث فهو من مجاري الاستصحاب ومقتضاه عدم اشتراط الوجوب والوجود بشيء فيكون الواجب مطلقا أيضا.