ولمّا كان الراجح في النظر البناء على البراءة فهو قاض ببراءة الذمّة عن ذلك الشرط.
لا يقال : بعد ثبوت أصل الوجوب ـ كما هو المفروض ـ ما معنى أصل البراءة الّذي شأنه نفي الوجوب ، إذ لا يراد بذلك نفي وجوب ما يشكّ في كونه غيريّا بل نفي شرطيّته للغير ، وهو أمر قابل لنفيه بالأصل ، لأنّه على تقدير الشرطيّة يستلزم ضيقا على المكلّف في المشروط ويزيد عليه كلفة اخرى.
وقضيّة الأصل كونه في سعة بالنسبة إلى ذلك ، نظير ما يجري فيما بين الواجب العيني والتخييري فيقضي بتعيّن الثاني ، ولا فرق فيما ذكر بين كون دليل وجوب الواجب لفظيّا أو لبّيا.
المرحلة الثانية
فيما علم بكونه واجبا غيريّا وشكّ مع ذلك في كونه نفسيّا أيضا ، كالوضوء الّذي يثبت وجوبه الغيري بقوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )(١) مع الشكّ في وجوبه النفسي من جهة الخلاف فيه بين الاصحاب.
وقضيّة الأصل فيه عدم الوجوب أيضا ، لكون الشكّ فيه واقعا في التكليف الصرف الموجب للعقاب ، وأصحابنا المجتهدون بل الأخباريّون مطبقون على إجراء الأصل هنا من غير خلاف ، ولا يفرق في ذلك أيضا بين قسمي الدليل.
المرحلة الثالثة
فيما لو ثبت الوجوب بلفظيّ وتردّد بين كونه نفسيّا أو غيريّا ، ولا إشكال بل لا خلاف ـ إلاّ ممّن سيظهر ـ في ظهور الأمر المجرّد في الوجوب النفسي ، كما يرشد إليه ملاحظة الاستعمالات الدائرة في العرف من غير فرق في ذلك بين الهيئة ومادّتي الأمر والوجوب.
وإنّما الإشكال بل الخلاف في أنّه ظهور وضعي أو إطلاقي من جهة الانصراف أو الإطلاق والسكوت في معرض البيان ، ففيه وجوه بل أقوال ، إلاّ أنّ إطلاق القول بكونه وضعيّا غير ثابت ، بل الثابت إطلاق القول بكونه إطلاقيّا كما عليه جماعة من الأواخر واختاره بعض مشايخنا ـ دام ظلّه ـ والتفصيل بين الصيغة والموادّ كلفظ « الأمر » و « الوجوب » و « اللزوم » ونحوها فالتبادر في الأوّل وضعيّ وفي غيره إطلاقي.
نعم ما حكاه بعض الأفاضل عن الشهيد من بلوغ الأمر في الوجوب الغيري بسبب
__________________
(١) المائدة : ٦.