الاستحباب مصداق لعنوانين أحدهما كونه مقدّمة للصلاة الواجبة والآخر كونه مقدّمة للقراءة المندوبة ، فلا ضير في كونه قبل الإتيان به في ذلك الوقت واجبا ومندوبا ، فإذا انتفى عنه بعد الإتيان به أحد العنوانين من جهة عدم قصد الامتثال به لا يلزم منه انتفاء العنوان الآخر ، فإذا صحّ وقوعه مصداقا لذلك العنوان نظرا إلى اختصاص القصد به جاز اتّصافه بحكم ذلك العنوان لانتفاء المانع كما عرفت.
ويمكن الاعتراض عليه : بأنّ العنوانين قد يكونان متلازمين في الوجود الخارجي فيقع الشيء الواحد الشخصي مصداقا لهما معا ، كضيافة زيد بالإضافة إليه وإلى عدوّه ، فإنّها إحسان له وإهانة لعدوّه وهما متلازمان معا ، سواء اختصّ القصد بأحدهما أو لا ، فحينئذ لا إشكال في عدم جواز اتّصافه بحكمين متضادّين لما سيأتي في بحث اجتماع الأمر والنهي.
وقد يكونان متباينين على نحو يكون بينهما عموم من وجه ، سواء كان المكثّر والموجب للتعدّد فيهما غير القصد كإكرام زيد مع إكرام عمرو ، فإنّهما يجتمعان في إعطاء ولد هو ابن لأحدهما من ابنه وللآخر من بنته ، ويفترقان في إعطاء غلام كلّ منهما ، أو القصد كلطم اليتيم بقصد التأديب ولطمه بقصد التعذيب ، فإنّهما يجتمعان فيما لو حصل بقصد العنوانين معا ، ويفترق كلّ منهما عن الآخر بما لو اختصّ القصد به ، ومثله دخول دار الغرقى والمهدوم عليه بقصد إنقاذه أو بقصد شيء آخر كسرقة ماله مثلا ، فإنّهما يجتمعان عند اجتماع القصدين ويفترقان بافتراق القصدين ، فحينئذ لا إشكال في جواز الاتّصاف بحكمين متغائرين في مادّتي الافتراق في كلّ من القسمين ، كما لا إشكال في عدم جوازه بالنسبة إلى مادّة الاجتماع لما تقدّم.
ومحلّ البحث إن ثبت كونه من قبيل القسم الثاني يتمّ فيه الوجه المذكور لتجويز اتّصاف الوضوء بالاستحباب مع اتّصافه بالوجوب ، ولكنّ الظاهر أنّه ليس من هذا الباب بل هو من باب القسم الأوّل ، وهو كون العنوانين متلازمين في الوجود الخارجي ، فإنّ الوضوء قبل الإتيان به كما أنّه مصداق لمقدّمة الواجب فكذا مصداق لمقدّمة المندوب ، واختصاص القصد بأحدهما لا يوجب اختصاصه به بالنظر إلى الخارج لعدم مدخليّة القصد في المقدّمية ، فإنّه بالنسبة إلى المقدّمة ليس كالقصد بالنسبة إلى لطم اليتيم تأديبا وتعذيبا ، ودخول دار الغير للإنقاذ وغيره ليكون مغيّرا للعنوان ومحصّلا للتعدّد ، فلا يصحّ فيهما اجتماع الوجوب والاستحباب ، فالوضوء المأتيّ به بقصد قراءة القرآن مثلا بعد دخول