والّذي يترجّح في النظر القاصر هو الوجه الأوّل ، لأنّه المنساق عرفا من الخطابات الواردة في هذا الباب ، كقوله : « توضّأ للصلاة » و « اغتسل للزيارة » و « سافر عند خروج الرفقة للحجّ ».
ألا ترى أنّه لو قال الأمير لبعض امنائه : « اجمع العسكر لفتح البلد الفلاني » فامتثل وصادف عدم حصول الغرض لقصورهم عنه مثلا خرج عن العهدة جزما ، وليس للأمير أن يؤاخذه بعدم الإتيان بما أمره به وهو المقدّمة الموصلة ، فلو أخذه والحال هذه لذمّه العقول ، بخلاف ما لو كان ذلك من تقصيره بأن لم يأت بكمال المأمور به فإنّه حينئذ يستحقّ الذمّ والمؤاخذة والعقاب مع اشتراكه مع الصورة الاولى في عدم الإيصال ، فلا يعقل بينهما فرق إلاّ أنّ المعتبر في المأمور به حينئذ إنّما هو شأنيّة الإيصال لا فعليّته ، وهي منتفية في الصورة الثانية دون الاولى وإلاّ لاشتركتا في استلزام توجّه الذمّ واستحقاق المؤاخذة كما لا يخفى.
فمن هنا يتبيّن فساد احتجاج الخصم بما تقدّم ذكره ، فإنّ قوله : « مطلوبيّة شيء للغير تقتضي مطلوبيّة ما يترتّب ذلك الغير عليه دون غيره » ممنوع بأنّ مطلوبيّة شيء للغير تقتضي مطلوبيّة ما من شأنه أن يترتّب عليه ذلك الغير ، سواء حصل الترتّب فعلا أو لم يحصل لأنّه المنساق عند العرف كما عرفت ، وقوله : « لما عرفت من أنّ المطلوب فيه المقيّد من حيث كونه مقيّدا » إلى آخره.
يدفعه : أنّ كون المطلوب فيه هو المقيّد ، أعني المقدّمة الموصلة من حيث إنّها موصلة أوّل الدعوى ولا دليل عليها ، بل الدليل قاض بكون المطلوب هو المقدّمة دون غيرها ، فخرج ما لا يعدّ مقدّمة في نظر العرف لنقض فيه ببعض الشرائط أو الأجزاء أو نحو ذلك.
ومن جملة الشرائط إعدام المانع ، فلذا لا نقول بامتثال من كان له صارف اختياري عن الفعل لأنّه لم يكمل الشرائط الّتي منها إعدام ذلك الصارف ، فيرجع المحصّل إلى إبداء الدليل على أنّ المطلوب في الواجب الغيري ما من شأنه الإيصال إلى المطلوب ، وهو الّذي أشرنا إليه.
وربّما يقرّر الدليل المذكور : بأنّ المقدّمة ليست مطلوبة لنفسها بل هي مطلوبة لمطلوبيّة ذيها ، فإذا أتى بها المكلّف من دون ذيها فلا يخلو إمّا أن تكون هي المقدّمة المطلوبة أو غيرها ، والأوّل يوجب أن تكون المقدّمة مطلوبة لنفسها وهو خلاف الفرض ، فتعيّن الثاني إذ لا ثالث لهما.
والجواب : أنّ معنى كون المقدّمة مطلوبة لمطلوبيّة غيرها أنّ الداعي إلى طلبها التوصّل إلى الغير المطلوب من باب الغايات المطلوبة ، وهو لا يقتضي فيها أزيد من كونها صالحة