ثمّ إنّ القول باشتراط فعليّة التوصّل في المقدّمة الواجبة لا اختصاص له بمن يرى قصد التوصّل إلى ذي المقدّمة شرطا في حصول الامتثال بالمقدّمة ، لأنّ ممّن ينفي الاشتراط ثمّة من يقول بالاشتراط هنا كبعض الفضلاء ، وممّن يثبت الاشتراط ثمّة من ينفي الاشتراط هنا كشيخنا الاستاد ـ دام ظلّه ـ فلا ملازمة بين القولين.
وكيف كان فأنت بالتأمّل في كلامهم ودليل الطرفين تعرف أنّ النزاع الواقع فيما بينهم صغروي راجع إلى اشتباه الموضوع ، لتردّد الوجوب الغيري بين مطلوبيّة شيء للتوصّل إلى الغير ، ومطلوبيّة التوصّل إلى الغير بذلك الشيء.
والفرق بين التعبيرين واضح.
فإنّ التوصّل إلى الغير على الأوّل من باب الغايات الّتي لا يجب ترتّبها فعلا على ما لوحظ وسيلة إليها ، بل قد تترتّب فعلا من باب المقارنات الاتّفاقيّة كما هو الغالب ، وقد لا تترتّب والدواعي الّتي دعت إلى إيجاب ما من شأنه أن يوصل إليها سواء حصل التوصّل فعلا أو لم يحصل لمانع عقلي اضطراري أو اختياري ، ولو كان من باب صرف الإرادة وزوال الميل النفساني.
وعلى الثاني يكون هو المطلوب بالأمر الّذي سبق إلى إفادته الخطاب من باب ذكر السبب وإرادة المسبّب ، فلذا ترى بعض من يذهب إلى القول الأوّل يفرّع مختاره على ما ذكره في تفسير الواجب الغيري من أنّه ما يكون التوصّل به إلى غيره مطلوبا من المكلّف في مقابلة الواجب النفسي الّذي فسّره بما يكون المطلوب من المكلّف في إيجابه نفسه دون توصّله به إلى غيره.
فاحتجّ عليه : بأنّ مطلوبيّة (١) شيء للغير تقتضي مطلوبيّة ما يترتّب ذلك الغير عليه دون غيره ، لما عرفت من أنّ المطلوب فيه المقيّد من حيث كونه مقيّدا وهذا لا يتحقّق بدون القيد الّذي هو فعل الغير.
فعلى الأوّل يتنوّع المقدّمة باعتبار فعليّة الترتّب وعدمها على نوعين ، كما هو وظيفة كلّ ما اعتبر في مفهومه قيد « شأني ».
وعلى الثاني ليس لها إلاّ نوع واحد كما هو شأن كلّ ما اعتبر في مفهومه قيد « فعلي ».
__________________
(١) وقد يقرّر بأنّ المقدّمة ليست مطلوبة لذاتها بل هي مطلوبة لأجل كونها موصلة إلى ذيها فالمطلوب الحقيقي هو الإيصال فيكون الواجب في الحقيقة هو المقدّمة الموصلة والمقدّمة الّتي لا يوجد معها ذوها لم يكن من المقدّمة الواجبة. ( منه ).