ونسبه في الهداية إلى كونه ممّا قد يتخيّل وصار إلى الثاني.
ويستفاد منه كونه مذهب الجمهور ، بل استظهر هذا الفاضل كون الأوّل مستفادا من المصنّف أيضا لأنّه قال : « وقد يستفاد من المصنّف في ذيل المسألة الآتية ، حيث قال : إنّ حجّة القول بوجوب المقدّمة ـ على تقدير تسليمها ـ إنّما ينهض دليلا على الوجوب في حال كون المكلّف مريدا للفعل المتوقّف عليها ، كما لا يخفى على من أعطاها حقّ النظر ، وكأنّه إنّما خصّ الوجوب بها في تلك الحال من جهة حصول التوصّل بها عند إرادة ما يتوقّف عليها دون ما إذا لم يكن مريدا له إذ لا يتوصّل بها حينئذ إلى فعله » انتهى.
وأنت خبير بفساد هذا التوهّم من تلك العبارة ، فإنّها مسوقة لبيان أنّ حجّة القول بوجوب المقدّمة مقتضية لكون وجوبها مشروطا بإرادة الإتيان بذيها ، فهو ناظر ـ على تقدير القول به ـ إلى دعوى كون إرادة الإتيان بذي المقدّمة من شرائط وجوب المقدّمة بحيث لولاها لا وجوب أصلا كالقدرة ونحوها من شرائط الوجوب.
ومحلّ الكلام ما كان التوصّل إلى ذي المقدّمة من شرائط الواجب من المقدّمة ـ غاية الأمر كون إرادة الإتيان به مقدّمة لوجود ذلك بحيث لو انتفت انتفى التوصّل فانتفى الواجب ـ لا الوجوب وبينهما بون بعيد ، فهو ليس بصدد تقسيم المقدّمة إلى ما هي واجبة وما ليست بواجبة ، بل بصدد منع أصل الوجوب ، كيف ولو كان بصدد ذلك لكان عليه فرض كلامه فيما إذا وجدت المقدّمة بدون ذيها كما هو محلّ البحث ، ومحلّ كلامه خلاف ذلك الفرض إذ لم يتحقّق المقدّمة فيما فرضه وهو ترك الضدّ في الخارج حتّى لا يكون هو الواجب من المقدّمة بسبب عدم اقترانها بوجوب ذيها.
فاستفادة ذلك القول من عبارة المصنّف إن كانت ولا بدّ منها فما ذكره قبل العبارة المذكورة أولى بكونه موهما لذلك ، حيث قال : « ولا ريب أنّه مع وجود الصارف عن فعل الواجب وعدم الداعي لا يمكن التوصّل فلا معنى لوجوب المقدّمة » وهو أيضا عند التحقيق ليس مسوقا لبيان هذا المعنى ، بل المراد به إبداء أنّ المقدّمة لمّا كان وجوبها للتوصّل إلى ذيها ـ حتّى قيل : إنّ الواجب حقيقة إنّما هو التوصّل ـ فوجوبها فعلا مشروطا بإمكان التوصّل إلى ذيها ، نظرا إلى أنّ القدرة والتمكّن من شرائط التكليف مطلقا ، ومحلّ البحث جعل فعليّة التوصّل بعد إحراز إمكانه قيدا في الواجب بحيث لو انتفت لكان المأتيّ به غير واجب ، وبين المقامين فرق واضح.