ومنها : ما ورد في بعض الأخبار لبيان فضيلة زيارة مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ممّا يقضي بأنّ كلّ خطوة من ذهابه حجّ ، وكلّ خطوة من إيابه حجّان ، مع أنّ الإياب وخطواته ليس من المقدّمات ، فلا يكون ذلك إلاّ من جهة التوزيع أو حاصلا على جهة الفضل والإحسان ، فإذا لم يكن هناك دليل على شيء من الاستحقاقين كان عدمهما هو الّذي يقتضيه القاعدة.
ولكن يشكل ذلك بما ورد في الروايات من ترتّب الثواب على الوضوء وغيره من الطهارات ، وعلى أنّه لكلّ قطرة من الماء الّذي يقطر كذا ، ولغسل كلّ عضو يغسل كذا ، بل وفي رواية : « أنّ الوضوء حدّ من حدود الله ليعلم من يطيعه ومن يعصيه ».
وفي اخرى قال الصادق عليهالسلام : « بينا أمير المؤمنين ذات يوم جالس مع محمّد ابن الحنفية ، إذ قال : يا محمّد ائتني بإناء من ماء أتوضّأ للصلاة ، فأتاه محمّد بالماء ـ إلى قوله ـ : ثمّ رفع رأسه فنظر إلى محمّد فقال : يا محمّد من توضّأ مثل وضوئي وقال مثل قولى خلق الله تبارك وتعالى من كلّ قطرة ملكا يقدّسه ويسبّحه ويكبّره ، فيكتب الله عزّ وجلّ ثواب ذلك له إلى يوم القيامة ».
مع أنّ الأمر فيها غيري وليس ذلك لأجل ما ثبت فيها من الاستحباب النفسي.
أمّا أوّلا : فلأنّ الثواب على هذا التقدير مترتّب على الاستحباب الفعلي والطهارات إذا أتى بها لأجل الأمر الإيجابي الغيري ـ كما هو المفروض ـ ليس فيها استحباب فعلي ليكون الثواب المدلول عليه بالروايات مترتّبا عليه.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الثواب لو كان لأجل الاستحباب النفسي لكان خارجا عن الفرض ، إذ المفروض أنّ ما يترتّب عليها من الثواب إنّما هو لأجل الأمر الغيري كما لا يخفى على من تأمّل في صدر الرواية المذكورة حيث قال عليهالسلام : « يا محمّد ائتني بإناء من ماء أتوضّأ للصلاة » والأمر في إطلاق ما ورد منها مطلقا سهل بعد إعمال قاعدة حمل المطلق على المقيّد.
نعم ربّما يشهد بما ذكر من احتمال ترتّب الثواب على الأمر الاستحبابي الثابت فيها عدّهم إيّاها من التعبديّات المحتاجة إلى قصد التقرّب وصريح حكمهم بلزومه ، فلو كان الأمر لمجرّد الغيريّة ـ على ما هو مفروض البحث ـ لما كان لذلك وجه لعدم افتقار الواجب الغيري إلى قصد الامتثال ، إلاّ أن يراد بذلك الامتثال بالأمر الغيري الثابت فيها.
وفيه : أنّ امتثال الأمر الغيري مع ملاحظة ذلك الغير لا يرجع إلى محصّل إلاّ إذا اريد به الامتثال بذلك الغير ولازمه أن يكون الثواب لأجله ، وهو خلاف ما يستفاد من الأخبار من