كون الثواب مترتّبا على نفس تلك الأفعال.
ولكن يدفعه : أنّ كونها من الغيريّات لا شبهة فيه لأنّه المفروض مع شهادة بعض الأخبار ، مضافا إلى ما مرّ بذلك ، كما روي من : أنّه كان أمير المؤمنين عليهالسلام إذا توضّأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء ، فقيل له يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبّون عليك الماء؟ فقال : لا احبّ أن اشرك في صلاتي أحدا ، وقال الله تبارك وتعالى : ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(١).
ومثله ما عن الصادق عليهالسلام : « من أنّ الوضوء لأجل الصلاة وهي عبادة ولا احبّ أن اشرك في عبادتي » إلى غير ذلك ممّا يدلّ على غيريّة الوضوء وغيره ، فالأمر حينئذ مشكل والتفصّي عن الإشكال أشكل ، ومع عدمه ينتقض ما أسّسناه من القاعدة.
اللهمّ أن يقال في محلّ الإشكال بنحو ما سبق من قضيّة التوزيع ، بدعوى : أنّ الثواب المدلول عليه بالأخبار إنّما هو لأجل ذي المقدّمة ولكنّه يوزّع على حسب أجزاء المقدّمات ، وهو بعيد مخالف لما يظهر من الأخبار من كون الثواب لأجل مجرّد هذه الأعمال.
نعم يمكن التفصّي عنه بحمله على جهة التفضّل والإشفاق ، فلا ينافيه عدم ثبوت الثواب على جهة الاستحقاق كما هو محلّ الكلام.
ويرشد إلى ذلك ما ورد في علّة الوضوء في الفقيه ، وكتب أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله : « إنّ علّة الوضوء الّتي من أجلها صار على العبد غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والقدمين فلقيامه بين يدي الله تعالى ، واستقباله إيّاه بجوارحه الظاهرة وملاقاته بها الكرام الكاتبين ، فيغسل الوجه للسجود والخضوع ، ويغسل اليدين ليقلبهما ويرغب بهما ويرهب ويتبتّل ، ويمسح الرأس والقدمين لأنّهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما كلّ حالاته وليس فيهما من الخضوع والتبتّل ما في الوجه والذراعين ».
فإنّ ظاهره أنّ الوضوء من حيث هو لا يوجب استحقاقا وليس مبناه على إيراث الأجر والثواب ، فيبقى ما في الروايات الاخر من ترتّب المثوبات عليه لأجل كونه من باب التفضّل.
أو يقال : بمنع ظهور ما أشرنا إليه من الروايات في كون ذلك لأجل الوضوء بما هو وضوء ، بل ظاهر ما تقدّم في قضيّة محمّد بن الحنفيّة ـ حيث قال عليهالسلام : « يا محمّد من توضّأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله » ـ خلاف ذلك ، ووجه الظهور : أنّ قوله عليهالسلام : « وقال
__________________
(١) الكهف : ١١٠.