والأوّل ينقسم إلى كونه مستقلاّ من جهة الاستفادة والمستفاد معا ، أو من جهة الاستفادة فقط ، أو المستفاد فقط.
والمراد بالأوّل ما يستفاد عن الخطاب المختصّ به وهو في حدّ ذاته أصيل ، وبالثاني ما يستفاد من الخطاب المختصّ به وهو في حدّ ذاته تابع للغير ، وبالثالث ما يستفاد من الخطاب المختصّ بغيره وهو في حدّ ذاته أصيل.
وأمّا القسم الآخر المقابل لتلك الأقسام فهو الّذي لا يكون مستقلاّ من جهة الاستفادة ولا المستفاد ، والمراد به ما يستفاد من الخطاب المختصّ بغيره وهو في ذاته تابع لذلك الغير ، فهذه أقسام أربع بني عليها اصطلاحهم في الواجب الأصلي والتبعي.
فالواجب الأصلي ما يكون من أحد الثلاث الاول على طريق منع الخلوّ والتبعي لا يكون إلاّ من الرابع.
والأولى في تحديد الأصلي أن يقال : « ما تعلّق به الطلب بالأصالة » ولا يكون إلاّ إذا تصوّره الشارع بالخصوص فطلبه ، ويلزمه أن يكون مقصودا بالخطاب أصالة ، ولا يفرق حينئذ بين كونه مطلوبا لنفسه كالواجب النفسي أو لغيره كالواجب الغيري ، فهو أعمّ منهما كما أنّه لا يفرق بين كونه مستقلاّ من جهة الاستفادة والمستفاد معا كما إذا استفيد طلبه عن خطابه المختصّ به كالمنطوق في مقابلة المفهوم بكلا قسميه من المخالفة والموافقة ، ومنه حرمة التأفيف المستفاد عن قوله تعالى : ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ )(١) أو من جهة المستفاد فقط فهو من جهة الاستفادة تبعيّ ، والمراد به استفادة طلبه المقصود بالأصالة عن الخطاب المختصّ بغيره كالمفهوم بكلا قسميه ، ومنه حرمة الضرب والقتل المستفاد من خطاب حرمة التأفيف ، فإنّ المستفاد أصلي وإن كانت الاستفادة تبعيّة ، ومن هذا الباب وجوب المقدّمة ـ على القول بكونه أصليّا ـ ويقابله التبعي وهو ما لم يتعلّق به الطلب بالأصالة ، ويلزمه عدم كونه مقصودا بالخطاب من جهة الاستفادة ولا المستفاد ، ولا يكون إلاّ أن يكون طلبه لازما لطلب آخر كوجوب المقدّمة على القول بعدم كونه أصليّا.
وأمّا النسبة بينه وبين الواجب الغيري فعموم مطلق ، لأنّ كلّ واجب تبعي فهو غيريّ ، لما عرفت من عدم انفكاكه عن المقدّمة الّتي وجوبها على القول به غيريّ ولا عكس ، لجواز كون الغيري أصليّا كالوضوء مثلا أو المقدّمة على القول الآخر بوجوبها ، فما يقال
__________________
(١) الإسراء : ٢٣.