المقدّمي في حصول الامتثال بها من جهة كونها عبادة وهو وجوب ليس بتعبّدي حتّى يوجب الصحّة ، بل هو توصّلي صرف غيري فلا يحصل الامتثال بها مطلقا ولو على القول بالوجوب ، لأنّه فرع ترتّب الثواب والعقاب وقد نفينا استحقاق الثواب والعقاب بالنسبة إلى المقدّمة في حدّ نفسها.
ولعلّه إلى ما ذكرنا في الشقّ الأوّل ينظر ما عن ابن إدريس القائل بوجوب المقدّمة في غسل الجنابة لصيام نهار رمضان قبل دخول وقت الوجوب من القول بعدم وجوب الغسل الّذي هو مقدّمة لعدم وجوب ذيها مع كونها ممّا لابدّ منها حينئذ لأدّاء تركها إلى ترك ذيها ، قائلا :« بحصول الامتثال بالغسل لكونه مندوبا نفسيّا فالامتثال إنّما يحصل من جهة الطلب الندبي ».
فإنّ الالتزام بالطلب الندبي إنّما يصحّ لزعم الرجحان الذاتي الداعي إلى الطلب الندبي الغير المانع ، ولا ينافي ذلك لعدم وجوبها من باب المقدّمة كما أنّه لا ينافي لكونها ممّا لابدّ منها ، فلا يجوز تركها بحكم العقل من هذه الجهة الّتي يلاحظها فيخبر عن المولى بعدم الرضا بالترك المؤدّي إلى ترك مطلوبه فيما بعد وإن لم يكن طلبها طلبا فعليّا.
فلا يرد عليه ما أورده العلاّمة رحمهالله عليه : من أنّ قوله : بكون المقدّمة مندوبة مع قوله بوجوب مقدّمة الواجب من أعجب العجاب ، تعليلا بأنّ الإتيان بالمقدّمة حينئذ إن كان واجبا بوجوب مانع عن نقيض فلا معنى لدعوى كونها مندوبة ، وإلاّ كان رجوعا عن القول بوجوب المقدّمة.
فإنّ القول بعدم وجوب تلك المقدّمة فعلا من جهة عدم دخول وقت وجوب ذيها لا ينافي القول بوجوبها الفعلي الّذي يلزم من وجوب ذيها فعلا ، فلا يكون عدولا عن القول بوجوب مقدّمة الواجب.
وأمّا عدم جواز تركها فليس من جهة ما فيها من الطلب ، لأنّه على فرض وجوده طلب ندبي غير بالغ حدّ المنع عن النقيض ، بل هو من جهة اللابدّية الّتي هو من أحكام العقل ، بل ربّما ينشأ من العقل بملاحظة ذلك طلب إرشادي كما تقدّم في تحرير محلّ النزاع ، فلا ينافي القول بالندب الذاتي الموجب للصحّة للابديّة القاضية بعدم جواز الترك ، كما أنّه لا ينافي القول بوجوب المقدّمة إذا تحقّق شرطه وهو وجوب ذيها فعلا ، وكيف ما كان فالثمرة المذكورة لا تكاد تثمر شيئا في المقام.
ومنها : اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه الخاصّ لو كان عبادة وقلنا بوجوب