واعترض عليه تارة : بأنّ ذلك مبني على حدوث النقل في تلك الصيغة وهو غير ثابت.
واخرى بأنّ الاصطلاح المذكور إن ثبت فإنّما يثبت في عرف علماء الصرف أو وسائر علماء العربيّة ، وثبوته في عرف علماء الاصول غير معلوم بل الظاهر خلافه ، وليس من الاصطلاحات الشائعة الدائرة بين سائر الناس من غير أهل تلك الاصطلاحات كلفظ « الفاعل » و « المفعول » وفيهما الجزم بثبوت النقل وظهور عموم الاصطلاح ، فإنّ علماء الاصول أيضا يتداول في لسانهم صيغة « افعل » في مواضع غير محصورة لا تكاد تخفى على المتتبّع ، ولا ريب أنّه لا يراد به إلاّ المعنى الأعمّ.
وأقوى ما يشهد بذلك تحديد بعضهم « الأمر » بصيغة « افعل » كما تقدّم ، مع أنّه لا يفتقر عموم الاصطلاح إلى استبداد كلّ طائفة إلى الوضع الجديد عندهم ، لجواز الجري على اصطلاح طائفة من باب التبعيّة كما هو الحال في غالب الامور الاصطلاحيّة.
ألا ترى أنّ الاصوليّين يطلقون لفظ « الاسم » و « الفعل » و « الحرف » و « الجملة » و « الخبر » و « المبتدأ » ونحوها ممّا لا يعدّ ولا يحصى على معان اصطلحها النحاة أو علماء العربيّة من دون أن يكون لهم فيها اصطلاح خاصّ ، ولا أن يكون تلك الإطلاقات من باب التجوّز كما لا يخفى.
ثمّ إنّه ينبغي القطع بخروج مثل قوله تعالى ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )(١) من الجمل الخبريّة المؤوّلة إلى الإنشاء ، وقوله : « أوجبت عليك الفعل » و « الصلاة واجبة » و « أمرتك بكذا » عن المراد بتلك العبارة ، وإن كان إطلاقها يتناولها على أحد الوجهين ، لعدم كون شيء من ذلك قابلا للنزاع كما لا يخفى.
وأمّا مثل « صه » و « آمين » من أسماء الأفعال فدخولها تحت العبارة محلّ تأمّل.
وأمّا دخولها في محلّ النزاع ففيه وجهان ، من عدم ظهور العناوين بل وظهورها في عدم الشمول ، لعدم كونها أمرا أو صيغة « افعل » أو صيغة أمر عندهم ، ومن اتّحاد المناط من حيث إنّ مدلولها مدلول « الأمر » أو الصيغة اتّفاقا.
ثمّ إنّ ظاهرهم عنوانا ودليلا بل وصريحهم يعطي عدم اختصاص البحث بالصيغ الواردة في الكتاب والسنّة ، فيرد عليهم حينئذ إشكال من وجهين :
الأوّل : أنّ هذا البحث لا يظهر له فائدة في غير تلك الصيغ فكيف يجعل محلّه على الوجه الأعمّ.
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.