التلازم ها هنا في الحقيقة إنّما هو بين الكلّي والخصوصيّات لا بينه وبين الفرد لئلاّ يلزم اللزوم بين الشيء ونفسه.
ويمكن توجيه كلامهم بحمله على إرادة كون الفرد مقدّمة علميّة للكلّي نظرا إلى أنّ العلم بحصوله في الخارج الّذي هو مناط الامتثال لا يحصل إلاّ بإيجاد الفرد المتضمّن له.
ولكن يزيّفه : خروج ذلك عن قانون المقدّمات العلميّة أيضا كيف والمقدّمة العلميّة اصطلاح لهم فيما أمكن لذي المقدّمة وجود في الواقع مع عدم انضمام وجود المقدّمة إليه كالصلاة إلى جهة القبلة عند الاشتباه الموجب لتردّدها بين الجوانب الأربع ، فإنّ الإتيان بها في جميع تلك الجوانب وإن كان مقدّمة علميّة إلاّ أنّها في الواقع ونفس الأمر يمكن تحقّقها في الجهة الاولى.
ويظهر الثمرة فيما لو لم ينضمّ إليها الجهات الاخر ثمّ انكشف بعد ذلك بأمارة حصلت من باب الاتّفاق ما هو حقيقة الحال ، بخلاف الكلّي بالنسبة إلى أفراده ، إذ لا يعقل له وجود بدون الفرد حتّى يجعل الفرد مقدّمة علميّة له ، إلاّ أن يفرض الواجب حينئذ تحصيل العلم بإتيان الواجب النفس الأمري ، ويقال : بأنّه موقوف على إيجاد المقدّمة المذكورة.
ولا ينافيه إمكانه بما فرضناه من الأمارة الاتّفاقيّة الحاصلة بعد ذلك ، لأنّها تصير حينئذ إحدى المقدّمتين فيثبت الوجوب لها على سبيل التخيير كما في سائر المقدّمات إذا تعدّدت ، أو يقال : إنّ الواجب إنّما هو هذه المقدّمة لكونها مقدورة.
وإلاّ الأمارة المفروضة حيثما حصلت مقدّمة غير مقدورة غير صالحة لأن يتعلّق بها وجوب غايتها كونها مسقطة عمّا هو الواجب من المقدّمة.
ولكن في النفس بالنسبة إلى ذلك أيضا شيء ، وهو أنّ هذا الواجب ليس من سنخ الواجبات الّتي يبحث في وجوب مقدّماتها وإنّما هو مجرّد إلزام عقلي يثبت من باب إرشاد العقل ، وكون مراد الجماعة في محلّ البحث هذا المعنى من الوجوب بعيد بل لا ينطبق عليه كلماتهم أصلا حيث يجعلون الفرد مقدّمة لوجود الكلّي في وجوبه الأصلي الثابت له بنفسه بأصل الشرع.
وبالجملة تصحيح كلامهم في دعوى كون الفرد مقدّمة للكلّي يحتاج إلى تكلّف واضح لا يصفى إليه النظر.
فالأولى إسقاط هذا الكلام عن درجة الاعتناء والإذعان بمنع مقدّميّة الفرد للكلّي بالمعنى المتقدّم المصطلح عليه وفاقا لغير واحد من الفحول.