وترى أنّهم يرسلونه إرسال المسلّمات وقد أشرنا في بحث تعلّق الأوامر بالطبائع إلى ما يقضي بفساد هذا الكلام.
وقد تنبّه عليه جماعة من الأجلّة منهم بعض الفضلاء ولا بأس بأن نجدّد النظر في ذلك ونفصّل في تحقيق ما سبق.
فنقول : أنّ المقدّمة حسبما مرّت الإشارة إلى تفسيرها عبارة عمّا يتوقّف عليه الغير في الوجود الخارجي الّذي جرت العادة على تسميته بذي المقدّمة ، فلابدّ فيها من سبق زماني بحسب الوجود كالشروط أو تقدّم ذاتي ولو تقارنا زمانا ، كالأجزاء والأسباب ولو في ضمن أحد فرديها المعبّر عنه بالعلّة ، بل الشروط أيضا مع وصف الشرطيّة يعتبر فيها المقارنة مع المشروط بها بحسب الوجود إذ لا يعقل التأثير فيها مع عدم المقارنة والّذي يتراءى من تقدمّها في غالب الأحيان زمانا فإنّما هو بحسب الذات وإلاّ فوصف الشرطيّة الّتي هي مناط توقّف المشروط مقارن حصوله لحصول المشروط ، فالشرط على هذا التحقيق لابدّ وأن يكون آنيّ الحصول أو استمراري الوجود إلى آن وجود المشروط كالطهارة للصلاة.
وعلى أيّ تقدير كان فلابدّ في المقدّمة وذيها من وجودين مترتّب أحدهما على الآخر ، ويستحيل عند العقل اتّحادهما في الوجود الخارجي وإلاّ ارتفعت جهة التوقّف ، ضرورة استحالة توقّف الشيء على نفسه ، والكلّي الطبيعي إمّا أن يكون له وجود في الخارج أو لا.
وعلى الأوّل فهو إمّا عين فرده الموجود في الخارج أو في ضمنه.
وعلى جميع التقادير لا يعقل فيه كون الفرد مقدّمة له ، أمّا على الأوّلين فواضح وأمّا على الأخير فلأنّ الكلّي حينئذ جزء للفرد الّذي هو عبارة عن الماهيّة مع الخصوصيّات المشخّصة لها ، وظاهر أنّ الجزء لا وجود له يغاير وجود الكلّ بل ليس لهما إلاّ وجود واحد فكيف يعقل توقّف الأوّل على الثاني ، والمفروض أنّ موضع التوقّف في كلّ من الجانبين إنّما هو الوجود.
ومع الغضّ عن ذلك فالعكس أولى بالإذعان ، مع أنّ الفرد إذا كان هو المجموع من الكلّي والخصوصيّات المكتنفة به فتوقّف الكلّي عليه في الوجود الخارجي توقّف على نفسه ، وهو كما ترى.
والعجب عن بعض الأعلام مع تصريحه باتّحاد الكلّي مع الفرد في الوجود ـ في غير واحد من مواضع كتابه ـ وإذعانه بكونه جزءا من الفرد كيف يصرّح بكون الفرد مقدّمة له ، وكأنّه اشتباه منه وممّن يزعم ذلك نشأ عن ملاحظة استحالة الوجود للكلّي بدون الفرد ، غفلة عن أنّ استحالة الانفكاك قد تكون بين المتلازمين وأنّه لا ملازمة بين التلازم والتوقّف ، بل