ثمّ إنّ انضمام الأسباب إليها في التكليف يرفع ذلك الاستبعاد المدّعى في حال الانفراد.
ومن ثمّ حكى بعض الاصوليّين القول بعدم الوجوب فيه أيضا عن بعض. ولكنّه غير معروف.
وعلى كلّ حال ، فالذي أراه : أنّ البحث في السبب قليل الجدوى ، لأنّ تعلّق الأمر بالمسبّب نادر * ، وأثر الشكّ في وجوبه هيّن.
__________________
أمّا الملازمة : فلأنّ المأمور به بحسب الحقيقة لا يعني به إلاّ ما كان مشعورا به للآمر على سبيل الاستقلال ، بل لا يعقل الأمر الحقيقي بما لا يشعر.
وأمّا بطلان التالي : فبحكم البديهة والعيان المغني عن إقامة البرهان ، إذ كثيرا ممّا يأمر الآمر بشيء له أسباب وهو غافل عنها وغير شاعر بها ومع ذلك فكيف يقال بأنّ الأمر به أمر بها.
وأمّا ما قد يرى من كون الأمر بالمسبّب أمرا بالسبب في بعض الأفعال المباشريّة كالقتل وبعض الأفعال التوليديّة كالإحراق ، حيث إنّ الأمر بهما أمر بجزّ الرقبة وإلقاء الشيء في النار أو إلقائها فيه ، فإنّما هو لأجل أنّ الآمر لا يتصوّر عند إرادة الأمر إلاّ السبب ، فلا يريد بالقتل والإحراق اللذين أمر بهما بقوله : « اقتل فلانا ، وأحرق الخشب » مثلا إلاّ الجزّ والإلقاء كما يشهد به طريقة العرف ومجرى العادة.
وأنت خبير بأنّ مجرّد ذلك لا يوجب ثبوت كلّيّة المدّعى ، لما عرفت من قضيّة الذهول عن الأسباب كثيرا عند الأمر بالمسبّبات ، وكأنّ الذاهب إلى هذا القول اختلط عليه الأمر حيث لاحظ بعض الموارد الّذي أشرنا إليه ووجد أنّ متعلّق الأمر فيه حقيقة هو الأسباب فساق الكلام إلى غيره وتوهّم أنّ جميع الأسباب من هذا الباب ، ولقد عرفت فساده بما لا مزيد عليه.
* وأورد عليه : بأنّ التعليق بالمسبّبات أيضا كثير إن لم نقل بكونه أكثر ، كالأمر بالكفّارة والأمر بالعتق ونحوهما ، فإنّ الصيغة سبب للعتق والعتق سبب للكفّارة ، ولا حظ تعلّق التكليف بالكليّات مع أنّ الفرد إنّما هو السبب لوجود الكلّي.
ولا يخفى أنّ توهّم كون الفرد مقدّمة سببيّة للكلّي من جملة ما شاع غلطا بين الناس ،