بل قد قيل إنّ الوجوب في الحقيقة لا يتعلّق بالمسبّبات * ، لعدم تعلّق القدرة بها. أمّا بدون الأسباب فلامتناعها ، وأمّا معها فلكونها حينئذ لازمة لا يمكن تركها **. فحيث ما يرد أمر متعلّق ظاهرا بمسبّب فهو بحسب الحقيقة متعلّق بالسبب *** ؛ فالواجب حقيقة هو ، وإن كان في الظاهر وسيلة له.
وهذا الكلام عندي منظور فيه ؛ لأنّ المسبّبات وإن كانت القدرة لا تتعلّق بها ابتداء ، لكنّها تتعلّق بها بتوسّط الأسباب ، وهذا القدر كاف في جواز التكليف بها.
__________________
لأنّه الّذي يتصوّره الآمر عند إرادة الطلب دون ما يتولّد منها على ما يشهد به الوجدان السليم والذوق المستقيم ، كما في الإحراق والقتل والعتق والطهارة ونحوها ، ولا ينافيه تعلّق الخطاب بالمسبّبات لأنّه تعلّق ظاهريّ وارد على سبيل التجوّز من باب تسمية السبب باسم المسبّب ، ولا أظنّ أحدا ينكر ذلك بعد كونه ممّا يحكم به الوجدان وضرورة العقل المغنية عن إقامة البرهان ، وسيأتي لذلك في ردّ مقالة من ينزّل الأمر بالمسبّب إلى السبب مزيد بيان.
* وهذا القول قد أشرنا إلى حكايته عن بعضهم ، وكلام الأكثر خال عن نقله وكأنّه وهم نشأ عن ملاحظة ما ذكرناه من أدلّة القول المتقدّم من التقرير الآخر للدليل الثالث ، لما أشرنا إليه من انطباقه على تلك المقالة ، وعلى تقدير ثبوته فيرد عليه أكثر ما سبق في جواب أدلّة القول المتقدّم ولا حاجة إلى إعادتها هنا.
** وقد عرفت أنّ المسبّب إذا لوحظ لا بشرط لا يخرج عن كونه مقدورا.
غاية الأمر أنّه قدرة مع الواسطة وهي كافية في تعلّق التكليف بالضرورة لو كان من مقولة الأفعال ، وأمّا ما كان من غيرها فعدم تعلّق التكليف به ليس من جهة عدم كفاية القدرة مع الواسطة بل لامتناع تعلّقه بما ليس من فعل المكلّف ، مع أنّه لو تمّ لجرى في الشرط أيضا إذا وقع آخر أجزاء العلّة التامّة فلا وجه لدعوى اختصاص الحكم بما دون الشرط مطلقا.
*** وفيه : أنّه لو كان الأمر بالمسبّب أمرا بالسبب بحسب الحقيقة لامتنع الذهول عنه حين الطلب ، والتالي باطل.