ويحتمل كونها مرادا بها الاستدلال بوجه آخر غير ما ذكره أوّلا فيلزم أن يكون ذلك قاصرا عن إفادة تمام المدّعى.
وكيف كان فعن المصنّف في الحاشية « منه » أنّه مثّل لما ذكره من عدم امتناع تصريح الآمر بعدم وجوب غير السبب بأن يقول : « أوجبت عليك الحجّ فإن تركته استوجبت العقاب عليه لا على عدم قطع المسافة » و « كن على السطح فإن خالفت عوقبت على ترك الكون لا على عدم نصب السلّم ».
وأنت خبير بعدم انطباق المثال على الممثّل ، فإنّ ذلك تصريح بما هو من لوازم وجوب المقدّمة ، لما تقدّم من أنّ المقدّمة على تقدير وجوبها لا يترتّب على تركها استحقاق ذمّ ولا عقاب ، فالتصريح بذلك لا ينافي وجوبها.
نعم لو قال ـ في المثال المذكور ـ : « أوجبت عليك الحجّ وأرضى بترك قطع المسافة » و « كن على السطح ورخّصتك في ترك نصب السلّم » وصحّ ذلك عرفا وعقلا تمّ الاستدلال وانتهض الدليل ، ولكنّه بمكان من الفساد.
فإنّ ذلك التصريح بعد إيجاب ذي المقدّمة لا يعدّ في العرف والعادة إلاّ ناشئا عن السفاهة وسخافة الرأي ولا يعدّه العقل إلاّ تناقضا ، لإفضائه بالأخرة إلى الرضا بترك ذي المقدّمة والترخيص في مخالفة إيجابه وسيأتي عند ذكر الأدلّة على الوجوب زيادة بيان لذلك الوجوب.
وربّما يعترض على ما ذكره المصنّف أيضا بأنّ صحّة التصريح بعدم وجوب المقدّمة لا تنافي ظهور وجوبها عند عدم التصريح ، إذ يجوز التصريح بخلاف ما هو الظاهر كما في القرائن الصارفة في المجازات عن المعاني الحقيقيّة والخصم لا يدّعي إلاّ ظهور وجوب المقدّمة عند إيجاب ذي المقدّمة مع عدم دليل وقرينة انتهى.
وأنت خبير بأنّ ذلك أيضا بمكان من الوهن ، فإنّ الخصم يدّعي الضرورة والوجدان ويقيم عليه البرهان ، وظهور الوجوب لا يلائم شيئا من ذلك مع أنّ اللزوم بين طلب الشيء وطلب مقدّماته إذا كان عقليّا ـ على ما ادّعاه الخصم فكيف يمكن التفكيك بينهما بالدلالة على الملزوم مع انتفاء اللازم ، فإنّ اللازم لا يعقل انفكاكه عن الملزوم ، وقياس محلّ الفرض على قرائن المجازات الصارفة عن الحقيقة مع الفارق ، إذ لا يوجب فيها التصريح بخلاف الحقيقة ما يمتنع عقلا وينافي الحكمة اعتبارا بخلافه ، فإنّ انفكاك اللازم عن الملزوم ممتنع عقلا والتصريح بتحقّق الملزوم بدون اللازم ، كالإخبار بوجود النار من غير حرارة ، والأربعة