الفعليّة والتفطّن بالعلم بالوجوب ، لا بينها وبين نفس العلم بالوجوب ، إذ الغفلة عن العلم ممكن ومنه ينشأ انتفاء الإرادة فعلا.
وأمّا الثالث : فلأنّ البناء على كفاية الإرادة والطلب الشأنيّين في ثبوت الوجوب يوجب عدم لزوم المحافظة على إيجاد الفعليّين منهما ولو مع الشعور بالمقدّمة وعليه يبطل دعوى الاختصاص أيضا ، فإنّ القضيّة الشأنيّة ثابتة مع عدمه أيضا على نهج سواء ، إلاّ أن يدفع ذلك ويقال : بأنّ المعتبر في حقيقة الوجوب الفعليّ منهما ، فيبطله ما سنحقّقه من قضاء القوّة العاقلة وطريقة العقلاء بخلافه.
ومنها : أنّ الواجب متعلّق الخطاب ، لأنّ تعلّق الخطاب داخل في حقيقة الواجب لأنّه أحد أقسام الحكم ، فكلّ واجب متعلّق الخطاب وما ليس بمتعلّقه فليس بواجب بحكم عكس النقيض ، فالمقدّمة ليست بمتعلّقة الخطاب ، ضرورة أنّ الأمر الوارد لوجوب الفعل ليس له تعلّق بمقدّمته.
وفيه : نظير ما مرّ في الوجه السابق.
وتوضيحه : أنّ تعلّق الخطاب بشيء قد يكون مقصودا لمخاطبه مطابقة أو تضمّنا أو التزاما من باب الاقتضاء أو التنبيه والإيماء ، وقد يكون لازما لمقصوده وإن لم يكن مقصودا بالخصوص ، تابعا لمراده ولو بحكم العقل كما في الالتزام من باب الإشارة ، فالمقدّمة وإن لم تكن متعلّقة للخطاب من الجهة الاولى غير أنّها متعلّقة له من الجهة الثانية وهو كاف في اتّصافها بالوجوب لما مرّ إجماله ويأتي تفصيله ، ولا يفترق الحال في ذلك بين اصول الأشاعرة واصول العدليّة في خطاب الله تعالى ، إذ غاية ما هنالك أنّ الأوّلين يجعلون الخطاب المأخوذ في تعريف الحكم مدلول الكلام اللفظي القائم بنفسه تعالى ويعبّرون عنه بالكلام النفسي الّذي فسّره بعض المحقّقين (١) بالطلب المغاير عندهم للإرادة والكراهة ، والآخرين يجعلونه نفس الكلام اللفظي ـ كما هو الأصل ـ بدعوى أنّ الكلام النفسي ، بالمعنى الّذي ذكروه غير معقول ، وإلاّ فالّذي يتعلّق بفعل المكلّف حقيقة عندهم أيضا هو مدلول الخطاب لا نفسه.
غاية الأمر أنّهم يخالفونهم في ذلك المدلول ويزعمون أنّه الإرادة الحتميّة ولا مغايرة بينها وبين الطلب كما زعموه ، وهو كما ترى نزاع بين الفريقين في الموضوع لا في الحكم ، لأنّهما مطبقان على أنّ المتعلّق للفعل هو المدلول ، والمدلول قد يكون مقصودا للمتكلّم
__________________
(١) وهو المحقّق السبزواري ( منه ).