أنّ النهي ممّا يفيد الدوام والتكرار وضعا أو عقلا ، فالتكليف بعد الامتثال بالترك السابق باق بالنظر إلى التروك اللاحقة.
وقضيّة ذلك بقاء الوجوب التخييري الموجب لبقاء الشبهة على حالها.
ولو سلّم فالعبرة في انعقاد الشبهة إنّما هي بحدوث الوجوب لا ببقائه وهو حاصل قبل الامتثال بالفرد جزما ، هذا مع ما فيه من منع كون المباحات والواجبات والمندوبات والمكروهات موانع عن حصول الضدّ الحرام ، لما عرفت إجمالا من عدم تمانع الأضداد ـ بناءا على التحقيق ـ ومنع كون التصوّر والشوق والإرادة شروطا لحصوله ، لما قرّرنا من كونها من لوازمه المترتّبة على وجود المقتضي ، ومنع اندراج جميع هذه الامور ـ على تسليم المقدّمية ـ في وجوب المقدّمات لاتّفاقهم على خروج المقدّمات الغير المقدورة عن عنوان النزاع كما تقدّم مشروحا في مقدّمات المسألة ، فيبقى لمحلّ الوجوب حصول الموانع عينا مع الشروط المذكورة.
غاية الأمر خروج الغير المقدورة في بعض الأحيان مسقطا عن المقدورة المتّصفة بالوجوب.
ومن جميع ما تقرّر تبيّن ما في الاستدراك بقولهم : « نعم إن فرض في بعض الصور أنّ ترك الحرام لا يتصوّر إلاّ بارتكاب شيء منها » إلى آخره.
وإلى ذلك ينظر ما في كلام بعض الأعلام ردّا على من منع مدخليّة المباح في ترك الحرام أصلا ، بدعوى : أنّه من مقارناته الاتّفاقيّة من قوله : « فيه ما فيه إذ كثيرا مّا نجد من أنفسنا توقّف ترك الحرام على فعل وجودي بحيث لو لم نشتغل به لفعلنا الحرام ولا يمكن إنكاره » انتهى.
ومثال ذلك ـ على ما راموه ـ أنّه إذا كان شابّ عزب عند امرأة زانية جميلة وهو غير مريد الآن أن يزني بها ، ولكنّه يعلم أنّه لو بقي معها لقوي شوقه وأراد الزنا فوقع فيها بحيث لا مدفع عنه إلاّ الخروج في الآن الّذي هو ضدّ وجودي فيجب عليه ذلك الخروج مقدّمة.
وجوابه : مضافا إلى ما مرّ ، أنّه لو اريد بالترك المتوقّف على الخروج تركه الآن فهو عدول عن الفرض ، إذ المفروض استناد ذلك الترك إلى وجود الصارف وهو عدم الإرادة من غير توقّف له على الضدّ الوجودي.
وإن اريد به الترك في الزمان اللاحق فهو خروج عن محلّ الشبهة ، لعدم وجوب ذلك الترك في ذلك الآن ، بل الواجب عليه ـ لو كان ـ إنّما هو دفع الضرر المعلوم أو المظنون