الواجبات ، ولا سيّما التوصّليّات ما لم ينهض عليه دليل بالخصوص.
وأمّا الأوّل : فلأنّ القدر المسلّم منه إنّما هو في الواجبات النفسيّة دون الغيريّة للإجماع على أنّ التوصّليات لا يعتبر فيها قصد ما لم يدلّ عليه دليل ، كما في أداء الدين وردّ الوديعة وإزالة النجاسة ونحو ذلك ممّا لا يحصى ، والمقدّمة منها إجماعا ولو سلّمنا الملازمة نمنع بطلان التالي.
وما ادّعي من الإجماع كلام في غير محلّه ، لعدم كون جزء من الرأس مقدّمة للواجب وهو الوضوء أو غسل الوجه ، وإنّما هو مقدّمة علميّة.
إلاّ أن يفرض الواجب تحصيل العلم ، فيرد على الاستدلال حينئذ : أنّ الإجماع هو الفارق بين هذا النوع من المقدّمة وغيره ، على أنّ تسليم الملازمة وثبوتها ـ على فرضه ـ إنّما هو من باب القاعدة وهي قابلة للتخصيص ، فلذا ترى في أداء الدين وردّ الوديعة ونحوهما أنّ النيّة غير معتبرة إجماعا ، ولو ادّعي الإجماع في سائر الأنواع أيضا لكان ذلك هو الجواب ، لصلاحيّة الإجماع لكونه مخصّصا كصلاحيّة القاعدة لوروده عليها ، ولزوم تخصيص الأكثر على تقدير تسليمه غير قادح بناء على ما يساعده التحقيق من جوازه كما يأتي تفصيل القول فيه في محلّه إن شاء الله تعالى.
ومنها : لو وجبت لكانت مقدّرة شرعا وإلاّ لزم التكليف بما لا يطاق ، لكن لا تقدير لها.
وجوابه : إمّا منع الملازمة أو منع بطلان التالي ، إذ المراد إن كانت العقليّة أو العاديّة فالملازمة [ ممنوعة ] لأنّ التقدير حينئذ موكول إلى ما ينبّه العقل أو يقتضيه العادة فلا يتوقّف على الدلالة من الشارع والمفروض أنّه حاصل بهما.
وإن كانت الشرعيّة فبطلان التالي ممنوع ، لثبوت التقدير الشرعي في جميع المقدّمات الشرعيّة أسبابا كانت أو شروطا ، مع أنّ المقدّمة حدّها الإيصال إلى ذيها فعلا كما عليه بعضهم أو شأنا كما يقتضيه النظر.
وأيّا مّا كان فهو ممّا يثبت بحكم العقل مطلقا فما لا إيصال به فعلا أو شأنا ليس من المقدّمة بحكم العقل أيضا ، وهو كاف على كلّ تقدير ومعه لا حاجة إلى بيان الشرع بالخصوص.
ومنها : لو وجبت المقدّمة لكانت زيادة على النصّ ، والزيادة على النصّ نسخ باطل (١).
والجواب أوّلا : منع المقدّمة الاولى ، إذ القائل بوجوب المقدّمة يقول بكونه من
__________________
(١) راجع إشارات الاصول : ٧٠.