الأوّل دفعنا الاستدلال تارة بمنع الملازمة ، أو إنتاجها أمرا محالا في المقام ، أو إنتاجها ما لا يعيّن المطلوب بل يجامع خلافه أيضا فيكون أعمّ.
واخرى : بمنع بطلان التالي.
أمّا الأوّل : فلأنّه لو اريد ترتيب المحذور على الجواز فالملازمة ممنوعة ، لوضوح ترتّبه على نفس الترك والجواز لا يستلزمه ـ كما أنّ الوجوب لا يستلزم الوجود ـ بل بينهما بون بعيد ، إذ الترك من فعل المكلّف وجوازه من قبل الله تعالى ، فلا مدخل له في لزوم التكليف بما لا يطاق.
فإن قلت : كيف تقول بذلك مع أنّ المكلّف ربّما يتركها تعويلا على عدم الوجوب.
قلنا : يعارضه على تقدير الوجوب أنّه ربّما يتركها تعويلا على عدم كونه ممّا يترتّب على مخالفته العقاب ولا استحقاقه نظرا إلى ما تقدّم تحقيقه.
ولو اريد ترتيبه على الترك فالملازمة وإن كانت مسلّمة غير أنّها تفضي إلى أمر محال ، وذلك لأنّه إذا كان أمر لازما لملزوم مشترك بين شيئين فبطلانه على تقدير ترتيبه على أحدهما لا يقضي ببطلان ذلك وصحّة الآخر لقبح الترجيح أو الترجّح بلا مرجّح ، بل لو صحّ بطلانه في نفس الأمر لقضى ببطلان كليهما ، كما لو قيل عند تردّد الشيء بين كونه إنسانا أو حمارا مثلا : « بأنّه لو لم يكن هذا إنسانا لكان حيوانا ولكن التالي باطل » فإنّه بطلان على تقدير صحّته يقضي بعدم كون ذلك الشيء إنسانا ولا حمارا ، إذ على تقدير كونه إنسانا أيضا يصحّ أن يقال : « بأنّه لو كان إنسانا لكان حيوانا ولكن التالي باطل » ومحلّ الكلام من هذا الباب ، لأنّ لزوم التكليف بما لا يطاق من لوازم الترك وهو يجامع الوجوب كما أنّه يجامع الجواز ، فبطلانه لا يقضي ببطلان الجواز لاشتراكه بينه وبين الوجوب بل لو صحّ البطلان لزم أن يكون كلّ منهما باطلا وهو محال لأدائه إلى ارتفاع النقيضين.
والدليل إذا كان مؤدّاه أمرا محالا يكون باطلا بالضرورة.
ولو اريد ترتيبه على الترك الجائز ، بأن يكون معنى قوله : « وحينئذ » حين إذ تركها المكلّف تعويلا على جواز تركها فالملازمة أيضا مسلّمة ولكن الحاصل منها أمر أعمّ من المطلوب ، وذلك لأنّ النتيجة حينئذ ليست إلاّ بطلان الترك الجائز لأنّه المقدّم ، وبطلانه إمّا من جهة بطلان قيده بمعنى أنّ الآمر لا يجوّز ترك المقدّمة لئلاّ يفضي إلى التكليف بما لا يطاق ، أو من جهة بطلان المقيّد وهو نفس الترك بمعنى أنّ المكلّف لا يترك المقدّمة لئلاّ