وإن فسّر بالصفة القائمة بالفعل فهو من لواحق الحدث الّذي اخذ مبدءا للأمر فلا يصحّ إسناده إلى المخاطب أو غيره.
فإنّ كون الوجوب مدلولا للصيغة ليس على سبيل الاستقلال وفاقا لبعض الأفاضل ولا يكون مستقلاّ بذاته ليمكن استناده في المقام إلى شيء ، فإنّ الإسناد في الأفعال لا يصلح له إلاّ معانيها الحدثيّة لأنّها المعاني التامّة المستقلّة القابلة لذلك ، فالمستفاد بحسب الوضع واللغة عن الأفعال بأسرها إنّما هو إسناد الحدث المدلول عليه بالمادّة إلى فاعله ، إلاّ أنّه في الطلبيّات منها مقيّد بكونه على سبيل أنّه مطلوب منه بعنوان اللزوم أو غيره ، فالطلب الملحوظ في المقام ليس إلاّ معنى حرفيّا غير مستقلّ اخذ في مفهومها آلة لملاحظة الغير وهو الإسناد ومرآة لتعرّف حاله ، حتّى أنّ الزمان الّذي يقال بدخوله في مفاهيم الأفعال مطلقا أو في غير الطلبيّات خاصّة ليس مستقلاّ بنفسه ، بل جعل آلة لملاحظة ما فيها من الإسناد ومرآة لتعرّف حاله ، فوضع الهيئة بإزاء الطلب المذكور ليس إلاّ كوضع الحروف بإزاء سائر الطلبيّات من التمنّي والترجّي والاستفهام ، فكما أنّ ذلك معنى حرفيّ غير مستقلّ بذاته جعل آلة لملاحظة الغير ومرآة لتعرّف حاله فكذلك الوجوب في محلّ البحث.
فلذا يقال : بأنّ وضع المشتقّات كوضع الحروف ، فعلى ما يراه المتأخّرون حقّا في الحروف من كون كلّ من الوضع منها عامّا والموضوع له خاصّا يكون الحال في المشتقّات الّتي منها محلّ البحث كذلك ، لا بمعنى أنّ الصيغة موضوعة لجزئيّات الطلب أو الوجوب ، بل بمعنى أنّها موضوعة لجزئيّات إسناد الحدث المدلول عليه بالمادّة إلى فاعل مّا من حيث كونها مطلوبة من ذلك الفاعل على سبيل الإلزام وعدم الرضا بالترك ، فكون الوجوب مدلول الصيغة وضعا بذلك المعنى لا ينافي كون مدلولها وضعا إسناد الحدث المدلول عليه بالمادّة إلى الفاعل ، لكون كلّ منهما جزء من الموضوع له على التقدير المذكور.
والمفروض أنّ المراد بكونها حقيقة فيه ليس بيان أنّه تمام مدلولها.
ومن هنا ينقدح فساد ما صرّح به بعض الأعلام من كون الطلب القائم بنفس المتكلّم معنى اسميّا مستقلاّ يكون كلّ من الوضع والموضوع له فيه عامّا ، كيف مع أنّه لا ينضبط إلاّ بالتزام تعدّد الوضع في الهيئة أو إنكار وضعها بإزاء النسبة ، لامتناع اجتماعهما في وضع واحد ، وهو كما ترى ممّا لا يتفوّه به أحد ، وفساده أوضح من أن يوضح.
ثمّ إنّه قد اتّضح من جميع ما قرّرناه : أنّ المستفاد من كلامهم لكلّ من الإيجاب