صدوره عنه سمّي إيجابا وتكليفا بمعناه الحدثي ، فإنّ ذلك مع أنّه تكلّف بحت ممّا يكذّبه الوجدان القاضي بكون الوجوب وصفا للفعل أثرا للإيجاب الّذي هو وصف في الآمر عبارة عن إسناد ذلك الفعل المعبّر عنه بالحدث المدلول عليه بالمادّة إلى الفاعل بعنوان أنّه مطلوب منه ولا يرضى بتركه ، والضرورة قاضية بكون الصيغة على القول المذكور موضوعة لهذا المعنى لا للأثر الحاصل منه في الحدث المطلوب ، ولعلّ حمل العبارة على المسامحة في التعبير نظرا إلى كون المعبّر به من لوازم المعبّر عنه أولى وأسدّ ، ولا بأس بذلك التعبير في أمثال المقام بعد وضوح المرام.
وبما ذكرناه من معنى الإيجاب يظهر الجواب عمّا اعترض على الحكم بكون الصيغة حقيقة في الوجوب أو الإيجاب من أنّه ليس إلاّ بعض مفاد الصيغة فكيف يحكم بكونها حقيقة فيه مع أنّ الحقيقة هو اللفظ المستعمل في تمام ما وضع له ، لجواز أن يكون المراد بالإيجاب في أمثال هذه العبارة إسناد الحدث المدلول عليه بالمادّة إلى الفاعل على وجه يكون مطلوبا منه بعنوان عدم الرضا بالترك.
ومن المعلوم أنّ ذلك تمام الموضوع له ، ومن يقول بأنّها للطلب يسقط عنه القيد الأخير ، كما أنّ من يقول بكونها للندب يبدّله بعنوان الرضا بالترك وهكذا.
وربّما يجاب عنه أيضا : بأن ليس المراد من كونها حقيقة في الوجوب أنّ ذلك تمام ما وضعت له ، بل المقصود كونها حقيقة فيه مع انضمام غيره إليه ممّا اخذ في معناها الموضوع له ، وتخصيص هذا الجزء بالذكر هاهنا من جهة أنّه محلّ الخلاف في المقام لكون اعتبار غيره فيه معلوما من الخارج.
ويتبيّن بالتأمّل فيما قرّرناه أنّ الطلب مطلقا أو مقيّدا بكونه وجوبيّا في مدلول الصيغة إنّما هو من المعاني الحرفيّة الرابطيّة ، فلوحظ في المقام آلة لملاحظة الغير وهو الإسناد المذكور ، ومرآة لتعرّف حال ذلك الغير.
فبذلك يندفع ما اورد على كلام المصنّف أيضا : بأنّ كون الوجوب مدلول الصيغة وضعا لا ينطبق على كونها من الأفعال المسندة إلى فاعليها بحسب الوضع ، لأنّه من حيث الصدور من لواحق المتكلّم ومن حيث القيام من لواحق الفعل المأمور به ، ـ أعني مدلول المادّة الّتي تعلّق بها الهيئة ـ لأنّه إن فسّر الوجوب بطلب الفعل على سبيل المنع من الترك كان مسندا إلى الآمر فكان ينبغي أن يسند الفعل إلى المتكلّم دون المخاطب أو الغائب.