بأداء ما هو واجب في الواقع المعبّر عنه بـ « مقدّمة العلم ».
فعن التوني في الوافية : وكأنّه لا خلاف في وجوب هذا القسم لأنّه عين الإتيان بالواجب ، بل هو منصوص في بعض الموارد كالصلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة ، والصلاة في كلّ من الثوبين عند اشتباه الطاهر بالنجس وغير ذلك.
واعترض عليه بعض الأعاظم : « بأنّ الكلام فيه هو الكلام في سائر أصناف المقدّمة لو قلنا بوجوب تحصيل العلم في مثله كما هو الأظهر ، للزوم تحصيل اليقين فيما لو اشتبه البراءة عن التكليف اليقيني وإلاّ فلا وجوب ولا مقدّمة ، وأمّا كون الإتيان بها عين الإتيان بالواجب ففاسد قطعا ، فإنّ الصلاة إلى أربع جهات أحدهما مأمور بها في الواقع وغيرها ليست مأمور بها ، فإنّ الصلاة إلى غير القبلة ليست مأمورا بها وإنّما وجبت بالنصّ أو به وبالقاعدة لتحصيل المأمور به ... إلى آخره.
وقد قدّمنا عن بعض المشائخ التصريح بوجوب هذا النوع مع نفي كونه من باب المقدّمة حتّى يكون متفرّعا على القول بوجوبها ، بل من جهة أنّه لا تغاير بينه وبين ذي المقدّمة في الحقيقة بل هو عينه ، وإنّما الاختلاف يحصل بينهما في التعبير فيكون الإلزام به من العقل عين الإلزام بمقدّمته بالتفصيل المتقدّم في صدر المسألة.
قال بعض الأفاضل ـ بعد ما أورد على كلام التوني رحمهالله ـ : وحيث كان التكرار المفروض مقدّمة بالنسبة إلى وجود العلم الواجب كان الحال فيه كسائر المقدّمات من غير فرق.
نعم يندرج ذلك في المقدّمة السببيّة لكون التكرار سببا لحصول العلم فالحال فيه كسائر أسباب الواجبات.
وقال بعض الفضلاء : المقدّمة كما تكون مقدّمة وجوب ومقدّمة وجود كذلك قد تكون مقدّمة علم كغسل جزء من الرأس لتحصيل العلم بغسل تمام الوجه ، فيجب حيثما يجب ، ومرجع هذه المقدّمة عند التحقيق إلى مقدّمة الوجود حيث يتوقّف حصول العلم عليها ، فوجوبها إنّما يستفاد من الخطاب بتحصيل العلم الثابت في موارده بالعقل أو السمع لا من الخطاب بالفعل إذ لا توقّف له عليها ، ـ إلى أن قال ـ : فمن فروعه ما لو اشتبه الواجب بالجائز فعلى ما حقّقناه يجب الإتيان بما يعلم معه الإتيان بالواجب.
فتبيّن من تلك العبارات أنّه لا خلاف في أنّ وجوب المقدّمة العلميّة بعنوان المقدّميّة متفرّع على وجوب تحصيل العلم بأداء المكلّف به الواقعي لا أنّه من مقتضيات وجوب