وذلك لأنّ الطلب الحتمي المأخوذ في ماهيّة الوجوب له باعتبار الصدور والتعلّق جهتان متلازمان وجودا وعدما فلا يعقل تحقّق إحداهما بدون الاخرى كجهتي الضرب ، ومعنى توقّفه على شيء توقّف ذلك الطلب في كلتا جهتيه ، فلا صدور له مع عدم الموقوف عليه كما لا تعلّق له بل إنّما يصدر ويتعلّق بعد حصوله ، والخطاب المشتمل على مثل ذلك الطلب لا ينشأ إلاّ عن الجهل في الحال بوقوع الموقوف عليه في المستقبل والتشكيك في حصوله فيه ، ضرورة ابتناء الطلب الفعلي الحالي على الجزم بالرجحان وهو فرع الجزم بأنّ ما يوجبه واقع أو سيقع فيكون منافيا للجهل والتشكيك وهما ممتنعان على الحكيم العالم بالعواقب ، بل على غيره فيما لو كان الموقوف عليه من الأوقات المتعيّنة لذاتها كالأمثلة المذكورة ، فلذا صار المحقّقون إلى امتناع التعليق من العالم بالعواقب والتزموا بتأويل القضايا المشتملة على التعليق الصادرة من الله عزّ وجلّ إلى ما لا ينافي علمه بالعواقب ، وهو حملها على إرادة حكمين مطلقين يكون أحدهما إيجابيّا والآخر سلبيّا ، فهو لعلمه بالعاقبة إمّا طالب للفعل فعلا ليصدر في زمانه المضروب ولو بالاعتبار ، أو غير طالب أصلا فإنّه يعلم أنّ المكلف إمّا قادر أو غير قادر وإمّا عالم أو غير عالم ، وإمّا عاقل أو غير عاقل ، وإمّا بالغ أو غير بالغ ، وإمّا أنّه مدرك للوقت المعيّن أو غير مدرك ، وإمّا أنّه يستطيع أو لا يستطيع ، وإمّا أنّه يملك النصاب أو لا يملك ، وإمّا أنّه يتّفق له الأمر الاعتباري أو لا يتّفق ، فعلى الأوّل في الكلّ يريد ويطلب مطلقا وعلى الثاني لا يريد ولا يطلب مطلقا.
ألا ترى أنّا لو قلنا لعبدنا إذا دخل الليل : « افعل كذا » أو « افعل كذا في يوم الجمعة » أو « إذا قدم زيد إذبح له شاة » مع علمنا بأنّه يقدم لا نجد من أنفسنا إلاّ إرادة فعليّة وطلبا حاليّا متعلّقا بالفعل الصادر بعد دخول الغاية ، بل لو صدر مثل ذلك الخطاب من كلّ متكلّم حكيم إلى كلّ مخاطب فهو لا يجد في نفسه إلاّ الطلب الفعلي ، ولا أنّ المخاطب يفهم إلاّ الطلب الحالي مع انفهام اشتراط وقوع المطلوب في الغاية المعيّنة.
نعم لو كان الخطاب بلفظة « إن » المنبئة عن الشكّ فمدلوله من غير العالم بالعواقب يصير وجوبا مشروطا وطلبا معلّقا ، وأمّا عن العالم بها فمتنع ذلك ولو فرض صدور مثل ذلك منه فلابدّ من تأويله لئلاّ ينافي الفرض.
فلو كان مرادهم في تحديد الواجب المشروط بما ذكر كونه كذلك في نظر الآمر الموجب ، أو في نظره ونظر المكلّف لزم أن لا يكون له مصداق في الشرعيّات ، وأن