لا يكون إطلاقه بهذا المعنى على الامور المذكورة واردا على وجه الصحّة.
ولو اريد كونه كذلك في نظر المكلّف فقط يندفع به الحزازة المذكورة ، غير أنّه لا يلائم مفهوم الحدّ ، لأنّ الوقت المضروب أو غيره ممّا اعتبر شرطا حينئذ لا يصير مقدّمة للوجوب بل يصير مقدّمة للعلم بتحقّقه وتعلّقه ، والمناسب لذلك أن يقال في التحديد : ما يتوقّف العلم بوجوبه على ما يتوقّف عليه وجوده.
نعم يتحقّق له في العرفيّات مصاديق ، ولكن تخصيصه بها ـ مع أنّ محطّ نظر الاصولي ليس إلاّ الشرعيّات ، ولا سيّما منافاته لما يذكرونه من التمثيلات ـ دونه أصعب من خرط القتاد.
إلاّ أن يقال : بأنّه يعمّ العرفيّات والشرعيّات ، ولكنّ القضيّة بالقياس إلى الشرعيّات فرضيّة وظاهر أنّ فرض المحال ليس بمحال ، كما أنّ المفهوم الّذي يكون التحديد باعتباره لا يستلزم المصداق ، فيبقى الإشكال حينئذ بالنسبة إلى إطلاقه على الأمثلة المذكورة كما عرفت.
أو يقال بكون الخطابات الواردة في تلك المقامات كقوله : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )(١) و ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ )(٢) و ( لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(٣) ونحو ذلك وضعيّة مقصودا بها جعل هذه الامور أسبابا وعلامات لانعقاد الوجوب صدورا وتعلّقا عند تحقّقها ، فيستقيم الحدّ حينئذ ويصدق مفهومه على كلّ واحد من الأمثلة ، لأنّ امتناع التعليق في الطلب من العالم بالعواقب إنّما هو في الخطاب التكليفي.
وفيه : مع أنّه تأويل لا يساعد عليه الطبع ، أنّه لا يدفع المحذور لأنّ النظر في حقيقة الأمر بحسب اللبّ ، ومعلوم أنّ مثل هذا الخطاب من العالم بالعواقب يستلزم الطلب الحالي ، والمطلوب أمر جعل ما ذكر علامة لوقوعه عند تحقّقه.
فقد تبيّن ممّا ذكر منشأ ما أشرنا إليه من الاشتباه الموجب للخلاف من حيث إنّ الجمهور لانسهم بما هو مفهوم الحدّ الملازم لعدم جواز تقديم المقدّمة في وصف الوجوب على دخول وقت الغاية وزعمهم اندراج الأمثلة المذكورة تحته أنكروا جواز ذلك ، فأشكل عليهم الأمر في بعضها كالغسل في صيام رمضان وقطع مسافة الحجّ ، والتزموا للتفصّي عنه بتكلّفات ركيكة لا يساعد عليها الطبع السليم.
فتحقيق المقام أن يقال : لو اريد بالواجب المشروط الّذي نوزع في وجوب مقدّماته
__________________
(١) البقرة : ١٨٥.
(٢) الإسراء : ٧٨.
(٣) آل عمران : ٩٧.