قبل دخول وقته ما كان الخطاب الوارد به مشتملا على أحد القيود المذكورة من زمان أو مكان أو اعتبار مع ظهور حصوله عنده لا محالة ، فلا ينبغي التأمّل في اتّصاف مقدّماته بالوجوب قبل حصول ما اعتبر معه من القيود.
ولنا على ذلك : ما تقدّم في الاستدلال على وجوب أصل المقدّمة من قضاء الوجدان مع القوّة العاقلة بأنّ إيجاب شيء له مقدّمات يوجب أن يحصل بين الواجب وتلك المقدّمات نسبة باعثة على أن لا يحدث منه بالنسبة إليها لو شعر بها إلاّ إرادتها فعلا وطلبها حتما والمنع عن تركها صريحا.
ولا ريب أنّ إيجاب الشيء بشرط حصول أمر هو في معرض الحصول في المستقبل يوجب في مقدّماته الطلب الحتمي الشأني الّذي يصدق معه الوجوب صدقا حقيقيّا في الحال حسبما تقدّم تحقيقه ، فهو بحيث لو سألته عن حالها واستفسرت منه حكمها لما أجاب إلاّ بكونها مطلوبة له في الحال ، بل لا يسوغ له غير ذلك لا لأنّ ذلك إيجاب للمقدّمة قبل إيجاب ذيها كما هو مفروض العنوان ، بل هو إيجاب لها حين إيجابه حسبما قرّرناه من أنّ اشتراط الطلب من العالم بالعواقب مع كون الشرط في معرض الحصول غير معقول ، من غير فرق في ذلك بين أن يذكر الشرط بعبارة التعليق كما لو قال : « إذا كان وقت كذا فافعل كذا » أو بعبارة التقييد كما لو قال : « افعل كذا في وقت كذا » ولا بين أن يكون ذلك الشرط وقتا معيّنا كالليل ويوم الجمعة أو أمرا اعتباريّا كقدوم زيد ، ولا في المشروط بين كونه مضيّقا بالمعنى الأخصّ أو الأعمّ أو موسّعا كذلك ، إتّسع زمانه لأدائه مع أداء مقدّماته فيه أو لم يتسّع ، صادفه العذر عن أدائها فيه على تقدير الاتّساع أو لم يصادف.
ومن هنا يتّضح الوجه في وجوب تقديم غسل الصوم على الفجر ، ووجوب مقدّمات الحجّ قبل حضور أيّامه ، فإنّه ليس إيجابا للمقدّمة قبل وجوب ذيها ليكون منشأ للإشكال.
نعم يبقى الإشكال بالنسبة إلى مقدّمات الحجّ قبل الاستطاعة ، ومقدّمات الصلاة قبل دخول أوقاتها ، لعدم وجوب شيء من ذلك إجماعا ولو علم بمصادفة العذر بعد حصول الشرط مع أنّ مقتضى ما قرّرناه من القاعدة هو الوجوب.
ويمكن دفعه في الأوّل : بأنّ وجوب المقدّمة إنّما هو بحكم العقل ، فإنّه بعد ملاحظة النسبة الحاصلة بينها وبين طالب ذيها الموجبة فيها القضيّة الشأنيّة يحكم به ، بمعنى إدراكه لتلك القضيّة الّتي هي حقيقة الوجوب ، وهو لا يجوز التكليف في شيء من موارده إلاّ مع