لا يسع وقته المقدّمة ، فإنّه لا يتعقّل غير التقدّم فإنّه لولاه لزم التناقض ، فإنّه إن أخّر المقدّمة إلى وقت الغاية يفضي إلى ترك الواجب إن قدّمها عليه ، وإن أخّرها عنه يخرج عن كون المقدّمة مقدّمة ، فيتردّد بين عدم كون المقدّمة مقدّمة أو الواجب مضيّقا وكلاهما خلاف الفرض ، انتهى.
وفي أكثر تلك الوجوه نظر ولا سيّما الوجه الأوّل ، فإنّ بناء العرف على تقديم المقدّمات على الأوقات وإن كان مسلّما غير أنّه مجمل لا يجدي الناظر فيه ، وإنّما ينهض ذلك دليلا على المطلوب لو ظهر منهم أنّهم يقدّمون المقدّمات على اعتقاد الوجوب وهو في حيّز المنع ، إذ غايته التقديم ولعلّه لمراعاة الاحتياط الّذي هو حسن في كلّ حال ، لمخافة اتّفاق العذر وعدم التمكّن عنها مع التأخير ، أو لتسهيل الأمر في زمان الفعل ليؤتى به على أكمل وجه وأتمّ غرض ، أو نحو ذلك من الاعتبارات الموجبة لرجحان التقديم نظرا إلى أنّه غير منهيّ عنه ، إذ غاية الأمر تردّده بين الوجوب والجواز وظاهر أنّ مجرّد الرجحان لا يلازم الوجوب لكونه أعمّ.
حجّة القول الثالث : على ما قرّره بعض الأفاضل ، إطلاق ما دلّ على وجوب مقدّمة الواجب ، ولا مانع من كون الفعل واجبا لغيره ومع ذلك يكون واجبا قبل دخول وقت الغير ، إذا كان وجوب الغاية في وقتها معلوما أو مظنونا.
ألا ترى أنّ قطع المسافة ليس واجبا لنفسه بل واجب للحجّ ومع ذلك لم يجب إيقاعه إلاّ قبل زمان الحجّ ، وكذلك صحّة الصوم مشروطة بالاغتسال من الجنابة قبل الفجر عند الأكثر ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به فهو واجب فيكون الغسل واجبا للصوم قبل دخول وقته ، وهو أيضا في غاية الوهن ويظهر وجهه ممّا مرّ.
وأمّا القول الرابع : فلم يذكر له مستند ، ولعلّ وجهه : أنّ وجوب المقدّمة إنّما هو بحكم العقل لا لنفسها بل لإفضاء تركها إلى ترك ذيها ، فمحلّ الوجوب ما يفضي تركه من المقدّمات إلى تركه دون غيره ، ومعلوم أنّ المقدّمة في الواجب المضيّق لو أخّرت إلى دخول وقته لكان تركا لها مفضيا إلى ترك الواجب ، بخلاف ما لو اخرّت مقدّمة الواجب الموسّع إلى دخول وقته فإنّه لا يفضي إلى ترك الواجب لإمكان أدائها بعد دخول الوقت أيضا ، وقضيّة ذلك أن يكون التقديم واجبا في الأوّل وغير واجب في الثاني.
وفيه أوّلا : أنّه لو تمّ لقضى في مقدّمة الواجب الموسّع أيضا بوجوبها في جزء من