عدم القطع بالعدم لكفانا في نفي احتمال التجوّز نفي احتمال ملاحظتها عند الاستعمال بالأصل ، فإنّ انتفاء اللازم ـ ولو ظنّا ـ يقضي بانتفاء ملزومه.
فممّا قرّرنا تبيّن سقوط احتمال الاشتراك معنى ، مع فساد القول به كما عن الآمدي ، وبطلان استدلاله بالأصل القاضي بأولويّة الاشتراك معنى بالقياس إلى الاشتراك لفظا والمجاز ، لكونهما بكليهما على خلاف الأصل.
كما تبيّن أيضا فساد القول بالحقيقة والمجاز كما عليه الأكثر ، مع فساد مستندهم من أولويّة المجاز بالنظر إلى الاشتراك ، فإنّ هذه قاعدة تصلح مستندا إذا لم يقم هناك ما يقضي بخلافها ، وقد عرفت قيامه من وجوه شتّى فعليه المعوّل. وبملاحظة ما نبّهناك من انتفاء لوازم المجاز تعرف بطلان ما قد يستدلّ به أيضا على المجاز في « الشأن » من عدم الاطّراد ، إذ لا يصحّ إطلاق « الأمر » على الأكل والشرب ونحوهما ، وصحّة الاشتقاق منه على المعنى الأوّل دون الثاني ، واختلاف صيغة الجمع فيهما ، مع أنّها بأجمعها مدخول فيها عندنا ـ على ما حقّقناه في محلّه ـ مع توجّه المنع إلى منع الاطّراد ، كيف وأنّ كلّ فعل يصحّ التعبير عنه في العرف بـ « الشأن » يصحّ إطلاق « الأمر » عليه كما لا يخفى على المتدبّر.
وعدم صحّة إطلاق المشتقّات منه بهذا المعنى فعلا أو اسما ـ كما يصحّ إطلاق المشتقّات من سائر الأفعال ـ فإنّما هو من جهة انتقاء عمدة شرائط الاشتقاق ، وهي كون المشتقّ منه حدثا.
ثمّ إنّ هاهنا معان اخر ذكرها بعضهم.
منها : الفعل ، فقيل : بكون « الأمر » حقيقة بينه وبين المعنى الأوّل ، فإن اريد به ما يرجع إلى « الشأن » ـ كما هو ظاهر الأكثر ـ فلا كلام ، وإلاّ فيتوجّه المنع إليه ، لعدم تبادره عند الإطلاق ، بل وعدم ثبوت الاستعمال فيه بالخصوص.
وما يستدلّ به عليه من الاستعمال في قولهم : « أمر فلان مستقيم » وقوله تعالى : ( فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ )(١) وقوله أيضا : ( وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ )(٢) وغير ذلك من الآيات المتكثّرة غير قاض بذلك جزما لظهور الجميع فيما ذكرنا ، مع إمكان أول ما عدا الأوّل إلى المعنى الأوّل ، أمّا في الآية الاولى فواضح الوجه بعد ملاحظة قوله : « فاتّبعوا » نظرا إلى أنّ المراد بالاتّباع الإطاعة ـ كما نصّ عليه جمع من
__________________
(١) هود : ٩٧.
(٢) القمر : ٥٠.