وهذا في الحقيقة خارج عن معقد الكلام الّذي هو في العزم المجرّد عن جميع الأفعال حتّى الفعل المحرّم ، وإنّما المقصود في المقام استعلام أنّه هل له قبح ذاتي غير قبحه المقدّمي بحيث أوجب فيمن تلبّس به استحقاق الذمّ والعقاب الموجب لحرمته النفسيّة أو لا؟ وعلى الأوّل فهل ورد بالنسبة إليه خطاب مستقلّ من الشرع قاض بالمنع عنه شرعا أو لا؟
فنقول : لا ينبغي لأحد أن يرتاب في قبحه الذاتي نظرا إلى قضاء القوّة العاقلة به ، بل لا يأبى عن العقاب لأجله والذمّ على صاحبه كيف وهو من مقرّ بناء العقلاء حيث نراهم أنّهم لا يضائقون عن معاتبة العبد العازم على قتل مولاه بل لا يزالون يذمّونه عليه ، بل على عزمه على كلّ معصية له لو اطّلعوا عليه مفصّلا ويعاقبه المولى كذلك لو أحاط بما في ضميره كما هو أحاط بنفسه.
نعم لو قارن ذلك العزم للفعل يتداخل العقابان ويصير على أصل الفعل.
وبالجملة قبح نيّة المعصية من جملة ما يستقلّ به العقل قطعا ويكشف عنه لمن لا تدبّر له بناء العقلاء.
فما في كلام بعض الأعاظم من منع حكم العقل بقبحه على وجه القطع ليس على ما ينبغي ، فهذا ممّا لا إشكال فيه بل الإشكال في ورود ما يكشف عن قبحه واستحقاق العقوبة عليه من الأدلّة الشرعيّة.
ويمكن الاستدلال عليه من الآيات والأخبار بوجوه.
منها : قوله تعالى : ( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ )(١) و ( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )(٢) فإنّه تعالى عمّم في التوعيد على ما في النفس بالنسبة إلى كلا تقديري إظهاره الّذي هو عبارة إمّا عن جعله مقرونا
__________________
منها لأدّى إلى ترك الواجب سواء كان ذلك البعض مقرونة بالواجب أو مقدّمة عليه بوسائط ، بخلاف ترك الإرادة فإنّ الّذي يفضى تركه منه إلى ترك الواجب ـ وهو ترك الحرام ـ إنّما هو القصد الأخيرة منه ، وقضيّة ذلك أن يكون المحرّم من [ جانب ] الإرادة هو الحصّة الأخيرة منها دون ما تقدّم عليها كائنا ما كان إذ الّذي يحصل به فعل الحرام إنّما هو الحصّة الأخيرة لأنّها لو تركت ترك وإلاّ ففعل ، بخلاف الحصص المتقدّمة عليها فتركها لا يستلزم ترك الحرام لجواز حدوث الحصّة الأخيرة ولا وجودها يستلزم وجود الحرام لجواز حصول الحصّة الأخيرة الّذي يستند إليه ترك الحرام. ( منه عفي عنه ).
(١) النساء : ١٧٠.
(٢) البقرة : ٢٨٤.