بالعمل أو إقامة ما يكشف عن ثبوته في النفس ، وإخفائه الّذي هو عبارة عمّا يضادّ الوجهين ، ولا يجوز أن يكون ذلك كناية عن الشرك بالله وغيره من أنواع الكفر بقرينة ما في ذيله من الوعد بالمغفرة المعلّقة على المشيئة ، ولا عن الحسد ونحوه من الصفات الذميمة الباطنيّة بقرينة تعميم الوعيد بالنسبة إلى إخفائه ، نظرا إلى أنّ الصفات الباطنيّة لكونها من الامور القهريّة الخارجة عن اختيار المكلّف لا تصلح بأنفسها لتعلّق التكليف بها إيجابا أو تحريما ، بل الّذي ينبغي أن يكون متعلّقا له منها ما ينشأ منها أو هي ناشئة منه من الامور الاختياريّة ، فالمحرّم في مثل البخل والحسد إنّما هو إظهارهما في الخارج ، والواجب في محبّة النبي صلىاللهعليهوآله وخلفائه الائمّة المعصومين عليهمالسلام إنّما هو النظر في فواضلهم ومنافعهم الواصلة ، وفي بغض أعاديهم الملعونين إنّما هو النظر في رذائلهم ومضّارهم الواصلة ، لما يشهد به الوجدان السليم من أنّ ملاحظة المنافع الواصلة من شخص والنعم الخارجة منه توجب حبّه ومودّته كما أنّ ملاحظة المضارّ الواصلة والنقم الخارجة منه تورث بغضه وعداوته ، فلا يبقى حينئذ إلاّ ما يكون عملا اختياريّا للنفس من سوء ظنّ إلى المؤمن وقصدا للمعصية وما أشبه ذلك.
وما عساه يتوهّم من منع كون الآية في سياق الوعيد لأنّ المحاسبة تعمّ الخيرات والمبرّات.
يدفعه : وجود الصارف وهو ما في الذيل من المغفرة المعلّقة.
ومنها : قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ )(١) فإنّ « الفاحشة » على ما في كلام أهل اللغة هو القبيح ، وقد عرفت أنّ العزم على المعصية قبيح فيكون مندرجا فيما نهى الله سبحانه عن قربه نصّا وظاهرا.
امّا الظهور فلعموم الفواحش الشاملة لما يكون باطنيّا.
وأمّا النصوصيّة فلمكان قوله : « وما بطن » وأصرح منها في الدلالة قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ )(٢).
وما عساه يحتمل من كون المراد بالفواحش المعاصي الظاهريّة ، وبما بعده ما يؤتى به جهارا وما يؤتى به سرّا.
يبطله : لزوم التخصيص بلا دليل ، مع كون الثاني خلاف ظاهر قوله : « وما بطن » لظهوره
__________________
(١) الأنعام : ١٥١.
(٢) الأعراف : ٣٣.